بقلم :: أحمد عويدات
أحلام الشباب في الحداثة دائما ما تصطدم بفكر الفقيه , حيث فور سماع الكهنة بفكر الدولة الحديثة , تجدهم يحاولون جاهدين كبح هذا الفكر مستخدمين شمّاعة الدين لوصف معتقدي هذه الفلسفة بالكفر و الالحاد لتقييد اي نفس تحرري.
و هذا ما يناقض تماماً فكر الدولة الحديثة بشكل جذري , فا الالحاد هو وصف للنظام الشيوعي الذي فرض على دول الاتحاد السوفيتي سابقا ,حيث كان ستالين يقمع الناس عن اداء الصلاة و حضور القداس في الكنيسة بالقوة، لكن ما نجده لدينا في الفكر الاصولي هو ( ستالينية معكوسة ) , حيث ان الممنوع ليس التدين ,بل اجبار الناس بالقوة عليه , و جعلك تنحني لشخص الحزب الواحد و الزعيم الاوحد , لذلك قد يتم سلب كافة حقوقك في بلادك اذا خرجت عن فكرهم وهذا إن وُجدت في الأصل .
لتوضيح مفهوم هذا الفكر يجب ان يُفهم الفصل بين الدولة و الدين بطريقة أبسط , حيث انّ للدولة الحديثة مبدآن جوهريان ينبثقْ على أساسه هذا الفصل .
المبدأ الأول : تفصل الدولة مابين مجالين في الحياة و هما العام و الخاص , الأول يشمل (الفضاء المدني عموما و نظم التعليم و الصحة و غيرها ) , و هي مكرسة لخدمة الجميع دون استثناء بعيداً عن معتقداتهم و أعراقهم , اما المجال الخاص فيتم فيه استيعاب كافة المعتقدات و الديانات بكامل توجهاتها , دينية كانت او مُلحدة .
المبدأ الثاني : يكفل هذا النظام الحرية الكاملة للاعتقاد و المساواة بين الجميع للمتدينين و غير المتدينين , و يمكن اعتباره احد اهم انجازات هذا المبدأ، وهو انهاء كافة الصراعات للحكم الديني و الحروب باسم الرب , و الغاء نص اي فتوى دينية تمس حياة كاتب او أديب .
جعل الدين خصوصية روحية بالفرد لا يمكن من خلالها لآي سياسي او كاهن استخدامه للتحكم بالناس و تقيدهم ,و ما نراه من الخُطب الدينيّة التي احيانا قد لا تَخْجل من وصف حاكم بلاد بأنه ( أمير المؤمنين و سليل رسول رب العالمين , و أخر الخلفاء الراشدين ) و الخروج عنه هو ابتعاد عن طاعة الله و سيلقى بوجهك في نار الاخرة لفعلتك ،مثال على سبل هذا التقييد.
في الدولة العلمانية يمكن للفرد ان يمارس طقوسه وعباداته بشكل كامل في مسجده او كنيسته او معبده، ويمكن له أيضا ان لا يمارسها اطلاقاً وهذه حرية خاصة بالفرد , و بطريقة أمثل للوصف يمكننا القول ان كل متدين مواطن و ايضا ليس كل مواطن بالضرورة متدين , حيث تقف الدولة على حياد مابين جميع الديانات , و لا تعادي ديانة على حساب الاخرى .
لا تنظر الدولة لأي مواطن على أساس مذهبي او طائفي ولا حتى عرقي , ولا يحق فيه لأحد وصفك بأنك او فرقتك ضالّون او أن فكركم منحرف , بعيداً عن ثقافة الاقصاء و الكراهية الدينية.
و هذا هوا نوع العمق في الطرح الذي يجب ان يصل للجمهور لتُفهم العلمانية او الحداثة على حقيقتها ,و كذلك ايضا يجب أن يفهم اصحاب هذا الفكر انّه لَنْ يُنَفّذْ بين ليلة و ضحاها , فقد تطلب ذلك من الغرب أكثر من مئة عام لتصل شعوبه إلى هذه القناعة، و يخسر الفكر الاصولي للكنيسة الكاثوليكية في اوروبا المعركة ضد الحداثة و التغير .
و هنا نصل الى وضع الدول الأصولية المسلمة و العربية تحديداً , حيث تبدو هذه الفكرة أقرب للمستحيل منها لأن تكون ممكنة ، لأن المعركة ما بين الحداثة و الفكر الاصولي التمييزي لا تزال قائمة , و هيا محسومة تقريبا للفكر الاصولي الذي تغلغل بشكل عميق في تفكير الاغلبية من العرب , و لن تحل المشكلة السياسية لدينا ما لم تحسم المعركة مع الفكر الاصولي التمييزي جذرياً و هي المعركة الفكرية الأهم و يمكن وصفها بأنها أم المعارك .