جمال شلوف.
أزمة أوكرانيا والتهديد النووي الحالي، ليس وليد اللحظة، أو الحدث الحالي أو ليس وليد أحداث القرن الواحد والعشرين
فالأمر يمكن نسبه إلى حرب القرم الأولى في منتصف القرن التاسع عشر عندما أجبرت القوات البحرية البريطانية والفرنسية الأسطول الروسي على الانسحاب من البحر الأسود. لكنه عمليا بدا في جغرافيا أخرى بعيدة عن القرم والبحر الأسود. ففي عام 1961 هاجمت الولايات المتحدة كوبا، بعد أن أعلن كاسترو عن نيته توقيع معاهدة تحالف عسكري مع الاتحاد السوفييتي، وانتهت العمليات العسكرية بنشر الاتحاد السوفييتي لصواريخ نووية في كوبا عام 1962, وهو الأمر الذي كاد يؤدي إلى حرب نووية وقتها.
وانتظر الغرب 28 عاما ليحقق أول خطوة في الرد على أزمة صواريخ كوبا، فقد كشفت الوثائق التي تم رفع السرية عنها لاحقاً، أن الولايات المتحدة وألمانيا أعطت تعهدات للرئيس السوفييتي غورباتشوف، بأنه لن يتم تمدد حلف الناتو شرقا في حال حل حلف وارسو، واتحاد ألمانيا الشرقية والغربية. إلا أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تنصل من هذا التعهد بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وأعلن عن إمكانية توسع الناتو شرقاً، غير مبال باعتراضات الرئيس الروسي يلتسين، وأشرف على ضم بولندا والمجر والتشيك إلى الناتو 1999. ليستمر في عهد بوش الابن ضم الناتو لكل من أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وسلوفينيا وسلوفاكيا بالإضافة إلى رومانيا وبلغاريا، عام 2004، ثم في عام 2009 ضم الناتو أيضا كرواتيا وألبانيا في عهد باراك أوباما، ثم أخيرا في 2019 ضم الناتو تحت إشراف ترامب الجبل الأسود.
كما قام الناتو أيضا بالتدخل في حرب البلقان 1999 مهاجما صربيا حليف روسيا الأساسي هناك. وفي 2008 وصل الاستفزاز الأمريكي لروسيا أشده، عندما أعلن الناتو نيته ضم أوكرانيا وجورجيا، الذي لو تم فإن روسيا ستكون محاطة بخمسة دول أعضاء في الناتو على حدودها (بلغاريا ورومانيا وتركيا، بالإضافة إلى أوكرانيا وجورجيا) والذي سيعني ضمهما تقييد وصول الأسطول الروسي للبحرين الأسود والمتوسط. لكن هذا الإعلان للناتو كان غير ممكن حيث كانت السلطة الأوكرانية بقيادة الرئيس يانوكوفيتش موالية لروسيا، والذي قاد لا٦علان البرلمان الأوكراني الحياد عام 2010. لكن ومع الإطاحة بيانوكوفيتش عام 2014 و وصول حكومة موالية للغرب تدخلت روسيا عسكرياً في حرب أوكرانيا واستعادت القرم و دعمت الانفصاليين في دونباس المجاورة لروسيا.
والذي خاض حربا لمدة 8 سنوات انتهت باتفاق حق تقرير المصير لدونباس، والذي رفضته السلطات الأوكرانية واتخذ جيشها خطوات عملية في إعادة الهيكلة للتوائم مع الانضمام للناتو. وهنا نأتي إلى العام 2022 الذي أطلقت فيها روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا بعد رفض بايدن طلب بوتين بإنهاء التوسع شرقا، ورفض الرئيس الأوكراني زيلنيسكي عودة أوكرانيا إلى حالة الحياد. ولأن الأمور الميدانية تتجه الآن إلى استعادة أوكرانيا للأراضي التي احتلتها روسيا، وإعلان روسيا ضم خيراسون ودونيستيك و لوغانسك وزابورجيا، بعد الاستفتاء، يعود الخيار النووي إلى الساحة كحل روسي وحيد لوقف التقدم الأوكراني الذي إذا تم فيعني عمليا نهاية النفوذ الروسي.
الهجوم النووي الذي ربما يكون محدودا أو غير ذلك، ضمن سياسة شمشون “علي وعلى أعدائي” * منقول بأختصار و تصرف عن الباحث الأمريكي جيفري دي ساكس. ولله الأمر من قبل ومن بعد.