• جود الفويرس

أنت لا تستطيع أن تحاسب أحدهم على عذرِه التّافهِ حين يقول لك: “نسيت!”. لك أن تغلي حنقًا لابتسامته البلهاء وهو يضيّق عينيه طلبًا في أن تعذره وحسب، لقد نسيَ ذاك الملعون، ومُحيَ من ذاكرته ما تُعوّل عليه أن يتذكّره من أجلك، صدقنِي؛ لن تستطيع أن تفعل شيئًا؛ لأنَّ الذاكرة نسبيّة تنسى ما تشاء وتَذكرُ ما تشاء. الكلّ ينسى هذه الأيّام، الكبير، الصّغير، ذاكرة الهاتِف، القلب يسهى عن الصّفح، حتّى العقل ينسى أن يكون حكيمًا مرّات! أنت تنسى أيضًا وهذه حقيقة تعرفها؛ لكنّك لن تقبل أن ينسوك. كلِّ اللوم يسقط عند التّفوه بهذه الجملة السحريّة، جرّب أن تقول نسيت واشهد على العجائب، لن يطولك شيء، حتّى الفريضة لا يُكلّف بها من مرض بالنّسيان الكَئيب. لكن… لماذا كان ذاك الشيخ الكبير يتوضأ للصلاة بعد أن عبث الزهايمر بعقله؟ يتوضّأ دون كلل أو ملل، يذكر كم مرّة يغسل وجهه، وكيف يمسح برأسه، نسيَ كلّ شيء، إلاّ خشوعًا في القلب! جارتنا المسكينة، عجوز بها خرف، تبحث عن والدها الميّت منذ ثلاثة عُقود في المربوعة؛ لتأخذ إذنه في الخروج لقضاء أمر ما، نست كلّ شيء -حتّى أولادها- ولم تنسَ احترامها العميق! أمّي لا تنسى أمرَ أيّ منّا، مهما ازدحم رأسها بالمشاغل، توقظ هذا في موعده المحدّد، وتذكر ذاك بأدق الأشياء، أمّي تحفظ كلّ مواضيع نفحاتي التي أغفل عنها أحيانًا. ماذا يكون هذا؟ محبّة؟ جود الفويرس.