حاورها : أرحومة ابوخزام
يقول الأديب الفرنسي فيكتور هوغو: (من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن). تعجز العبارات والكلمات عن وصف وتشريح حالة التعليم وما آل إليه في بلادنا الحبيبة ليبيا ، وخصوصا المدارس والمرافق التعليمية التي أكل عليها الدهر وشرب.
وفي هذا العدد سنتحدث عن حالة إحدى المدارس في جنوبنا الغالي، وتحديدا بمنطقة تامزاوة التابعة لمراقبة التعليم ببلدية القرضة الشاطئ والتي لا تعد استناءً بين المدارس في عموم البلاد بل هي ظاهرة للأسف الشديد في واقع التعليم الليبي.
وحديثنا على لسان ضيفتنا الأستاذة لطفية سعد أبو خزام عن مدرسة النهر الصناعي للتعليم الأساسي بمحلة تامزاوة الشاطئ والتي لا تبعد عن منزل ابن المنطقة نائب رئيس الحكومة رمضان أبو جناح سوى بضعة أمتار.
حيث تعتبر المدرسة عبارة عن مبنى مهترئ و عتيق تأسست في العام 1989م وتحتوي على خمسة فصول وفصل صغير للإدارة وحجرة للغفير وقاطع به دورتَيْ مياه واحدة للذكور وواحدة للإناث ثم بمجهودات المعلمات أنشأنا فصلين إضافيين على المبنى تم سقفهن بمادة ( الزينقو) وبها حوالي 350 تلميذا وحوالي 50 موظفا موزعين بين معلمين وإداريين ، و المدرسة حاليا بها كثير من التصدعات في جدرانها والتشققات بالأسقف ، حيث بات يهدد حياة الطلاب و المعلمين خاصة بعد انهيار جزء من سقفه أثناء تواجدهم بالمدرسة، مما نتج عنه إغلاقه.
عرفينا بنفسك و صفتك؟
قالت ” لطفية سعد أبوخزام ، نائب مدير مدرسة النهر الصناعي ، حاصلة على ليسانس التربية علم النفس ، موظفة بقطاع التربية و التعليم منذ العام 1994 ، و مدربة محترفة و ناشطة بالمجتمع المدني ، اندرجت بالسلم الوظيفي إلى أن أصبحت نائب مدير
ما السبب في إغلاق المدرسة و من الذي اتخذ هذا القرار؟
أفادت ” في الحقيقة من أصدر قرارا بإيقاف الدراسة هي اللجنة الهندسية من وزارة التربية و التعليم حيث جاءت من العاصمة ،و بعد زيارتها للمبنى و الاطلاع على وضعه ،قررت عدم صلاحيته ، و أنه يشكل خطرا على حياة العاملين فيه ، فلهذا أقفلته وطلبت من مكتب مراقبة التعليم عدم تشغيله ، و أن الخطر ليس في كون السقف على و شك الانهيار فقط ، ولكن المبنى بالكامل غير مؤهل لتشغيله. حدثينا عن الأضرار التي لحقت بالمبنى سواء المادية أو البشرية.
أضافت ” أن بداية المشكلة حدثت عندما تمت معالجة مشكلة نقص المياه بتركيب خزانات خراسانية فوق المبنى و لكن لم يتم تشغيله لأنه تم بناؤه بطريقة خاطئة ، بالإضافة إلى أن المبنى صغير لا يتحمل خزانات بهذا الحجم ، و لذلك تهالك المبنى.
أوضحت ” أن المشكلة هندسية صرفة، فلم تكن القياسات صحيحة و لم يتم تنفيذ البناء بالشكل الصحيح ، فنتج عن هذه الأخطاء انهيار الفصل الأول الذي يقع الخزن على سقفه ، واتضح بعد هذه الحادثة بأن السقف لمْ يُبنَ بشكل جيد فهو مبنيٌ بطريقة (السكة) بناء مؤقت ، وبدأ المبنى ينهار تباعا ، و ظهرت على حائط المبنى بالكامل الشقوق ، و الفجوات بحيث يمكنك رؤية ما يقع خارج الحائط من خلالها.
و أفادت ” في إحدى المرات كانت زميلتنا المدرسة (زهرة بالعيد ) جالسة بجحرة المدرسات تصحح بعض دفاتر الطلبة ، و إذا بجزء من السقف ينهار بجانبها ، هذه الحادثة دفعتنا لإبلاغ الجهات المسؤولة ، بالرغم من أننا لم نسجل أي أضرار بشرية ولا حتى إصابات و لكن خوفا من أن يتأذى الطلبة و المعلمين مستقبلا.
ما هي الإجراءات التي قمتم بها لاستمرار الطلبة في الدراسة و عدم ضياع العام الدراسي عليهم بعد إغلاق المدرسة نتيجة للانهيارات المتكررة؟
أجابت ” تم في البداية حل المشكلة بطريقة جيدة ، حيث كنا ندرس يوما بعد يوم بمدرسة (الخلود) أثناء فرض الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا المستجد ، بحيث تم التنسيق معهم عن طريق مكتب مراقبة التعليم ، و خاصة أن مدرسة الخلود لم يكن بها طلبة بالفترة المسائية فكانت الأمور تسير على ما يرام.
وأوضحت ” ولم تكن المدرسة بعيدة فكانت المسافة بين المدرستين نصف كيلو فقط ، فلهذا لم يجد الطلبة صعوبة في الوصول ، و لكن واجهتنا مشكلة وهي أن هناك محطة وقود قريبة من المدرسة وفي حال وصول الوقود للمحطة فإنها تشهد ازدحاما شديدا قد يعيق الطلبة من الوصول للمدرسة ، وقد يسبب خطرا على حياتهم كونهم أطفالا .
و أردفت “واجهتنا مؤخرا مشكلة أخرى وهي أن المدرسة بها فقط 8 فصول و بعد عودة الدراسة بشكل يومي بات هناك ازدحام في الفترة الصباحية كون عدد الفصول لا يستوعب عدد طلبة المدرستين معا.
و أشارت إلى أنه ” دفعتنا قلة عدد الفصول و اكتظاظ الطلبة إلى التخلي عن معمل العلوم رغم أهميته ، وتم تحويله إلى فصل دراسي مؤقتا ، و اقترحنا خلال العام الدراسي الحالي ، أن ندرس بمعهد الحرية وهو يبعد عن المدرسة بمسافة أقل من 4 كيلومتر ، وسنحتاج إلى مواصلات ، حيث يتعذر وصول المعلمات إلى هناك و أيضا بها بعض الفجوات التي قد تسبب خطرا على حياة الطلبة
. ونوهت ” بعد اجتماعنا مع المعلمات لكثرة غيابهن تبين بأنهن يجدن صعوبة في الوصول إلى المدرسة لبعدها ، والبعض يستقللْنَ سيارات الأجرة والتي قد تكون أجرتها باهضة بسبب نقص الوقود ، و البعض قد يتأخر عليها السائق خاصة في الفترة المسائية مما قد يدفعهن للعودة إلى منازلهن بعد الغروب ، وهذا يسبب لهن مشكلات عائلية ، فلذلك كل هذه المشكلات تعيق عملنا بالشكل المطلوب.
أين المسؤولين داخل بلدية القرضة الشاطئ؟ وهل هناك تجاوب من قبلهم بخصوص وضع المدرسة؟
ذكرت “عضو التعليم بالبلدية يبعد منزله عن مدرسة النهر الصناعي أقل من 100 متر ، وقد درس بها هو و إخوته و بالرغم من ذلك لا حياة لمن تنادي ، و البلدية أيضا لم يكن لها أي دور في حل المشكلة ولم تتدخل أبدا ، ولا حتى بمجرد تطمينات ، أو بدعم للمراقب ، فإذا دعمته ربما كانت جهودهم قد أثمرت ، فلذلك مكتب مراقبة التعليم أفضل من البلدية بمراحل. أعربت ” أنا لا أحمل مكتب التعليم أي مسؤولية جراء ما حدث ولكن عند تواصلنا مع مسؤول مرافق التعليم ، ويؤسفني جدا ما حدث ، حيث أنه نظر للأمر باستخفاف شديد ، اكتفى بزيارة المقر ،
اكتفى بزيارة المقر ، و أعرب عن استيائه فقط. أضافت ” يحيرني جدا أن يوقع على عمل هندسي خاطئ ، و كيف وقع على التراخيص للمتعهد ذاته لصيانة المبنى مرتين متتاليتين دون التدقيق ، بينما مكتب مراقبة التعليم عالج الأمر ، و إن لم يكن بالشكل الكافي ، و لكنهم تواصلوا مع اللجنة الهندسية بالعاصمة ، و كانوا برفقة اللجنة أثناء الزيارة لمقر المدرسة ، و المتابعة معهم.
و نوهت ” المراقبة كانت تؤكد دائما بأن ملف المدرسة على مكتب وزير التعليم ، و لكننا نريد أن يتفعل وأن يصل إلى الجهات المسؤولة عن المرافق التعليمية و نحن لا نلوم على العاملين في مراقبة التعليم سابقا فهم ليسوا من ذوي الاختصاص ، و لكن اليوم نلوم العاملين به لأنهم معلمون سابقون و يعُون جيدة معنى أن يضيع يوم تعليمي ، وخطة مدرسية ، وهم أكثر علما من غيرهم بمشاكل القطاع و همومه.
ذكرت: اقترحنا في بدء الأمر أن يتم استحداث فصول دراسية متنقلة ، لأنها تشكل حلا سريعا و مناسبا للطلبة ، لأن هناك بعض العائلات المحافظة التي قامت بسحب بناتها و إيقافهن من المدرسة ، فالذكور بإمكانهم الذهاب لمدارس بعيدة ولكن الأمر يصعب على الإناث ، وهذا سيحدث انتكاسة على التعليم ، و المراقبة أدركت حجم المشكلة وسعت معنا في البداية ، و لكنها لم تستمر معنا بشكل كافٍ. هل هناك جهات غير حكومية تواصلتم معها لحل مشكلة المدرسة ؟
أوضحت ” حاولنا التواصل مع منظمة اليونيسيف ، باعتبار أنها تقوم بصيانة للمباني التعليمية ، و استحداث ملاعب و معامل دراسية ، و بعد التوصل معهم أبدوا إعجابهم و ترحيبهم ، و طلبوا منا التواصل مع المسؤول عنهم في المنظمة ، وكنا في اجتماع معهم خلال الأيام الماضية و اعتذروا عن تقديم أي خدمة لأن بلدية القرضة الشاطئ خارج حدود عملهم ، و لكن تواصلنا معهم كنشطاء بالمجتمع المدني ضمن نطاق بلدية براك الشاطئ، و تعاونوا معنا في إنشاء مركز تدريبي للمرأة متطور جدا ، و كذلك استحداث روضة.
من خلال ما حدث في المدرسة و خلال تعاملك مع القضية هل هناك وعي مجتمعي للتعامل مع قضية انهيار المدرسة ؟
ترى بأن ” دائرة الوعي تكتمل عندما يلتقي التعليم مع الإعلام فهدفنا جميعا التنوير و خلق الإنسان الناجح ، القائد في موقعه مهما كان موقعه صغيرا، الذي سينهض بهذا الوطن الذي طالت سنين ظلامه ، بإذن الله سنكون نحن وأنتم قمرا مضيئا في سماء الوطن الحالك ، أشكر مبادرتكم جدا ، فأنا لا أستغرب من فسانيا أن تطرق أبواب الحائرين ، ولا هذا الموقف الشجاع ، و أنتم ما أقدمتم على هذه الخطوة إلا لمعرفتكم وإدراككم بحجم ما نعانيه ، وكل الشكر لكم و لكل طاقم فسانيا شاكرة و ممتنة لمنحكم هذه الفرصة لنا. هل تعتقدين بأن وضع المدرسة و ما آلت إليه يستدعي التدخل العاجل من النائب الأول لرئيس الحكومة ؟
أظهرت ” هذا ما كنا نأمله و نتوقعه ، و نحن لن نذخر جهدا في الوصول إلى السيد النائب ، و الوزارة و الاستعانة بأولياء الأمور ، و أعيان المنطقة و المسؤولين بقطاع التربية و التعليم بالمنطقة ، و كنت أسعى لأن تتظافر الجهود في سبيل تحقيق الهدف لأنها كانت فرصة ذهبية كون العميد ابن المنطقة و يفترض أن يشعر بحجم المأساة، و عضو التعليم كذلك، و السيدة مراقبة التعليم أيضا معلمة و يفترض بأنها تقدر حجم المشكلة ، فنحن نمر بفترة عصيبة ، فترة انتشار فيروس كورونا الذي عجز أمامه العالم ، و أن ما مررنا به خلال الأعوام الماضية وخلال هذه الجائحة لن يعود التعليم بعده إلى ما كان عليه قبل الجائحة ، و نحتاج إلى جهد حقيقي و مخلص وصادق ، حتى نعبر هذه المرحلة ، وأن نمر بهذه المرحلة الصعبة مضاعفة بمشكلة انهيار مبنى تعليمي ، فنحن بالتأكيد أمام أمّيَة جديدة
. أفادت ” إذا طالت الأزمة أكثر ، فإن الجميع سيفقد حماسه ، و سيملّون ، والأمر سيؤول إلى الأسوأ ، وبالاطلاع على وضع التعليم بشكل عام نحن ندرك بأننا لسنا وحدنا من يعاني و يشتكي ، فلهذا أعتقد بأنه حان الوقت لتتظافر الجهود لنهضة البلاد ، فكل ما يحدث يمكن أن يتجاوز إلا مشكلة التعليم لن نستطيع التغاضي عنها ، فالأمم تبنى في المدارس وليس في ساحات المعركة
. كلمة أخيرة. أشكر هذه اللفتة الكريمة من فسانيا التي لا أستغرب منها هذا الموقف الشجاع فهي دائما تطرق أبواب الناس الحيارى ونحن دائما بحاجةش لمضاعفة الجهد لطرح مثل هذه القضايا وكذلك ليس بغريب على فسانيا الاهتمام بالتربية والتعليم وما يعانيه الوطن من جراح فشكرا من القلب على منحكم لي هذه المساحة وأخص بالشكر رئيسة التحرير الأستاذة سليمة وإلى كل فرد يعمل بهذا الصرح الإعلامي والشكر موصول للشاب إبراهيم حسين أبوخزام الذي كان وراء إعداد هذا الحوار من خلال الربط والتنسيق .. استمروا والله معكم.