- صافيناز المحجوب / درنة
قال يونس الصدفي :ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة . فأين نحن اليوم من هذه المواقف التي تدل على صفاء النفوس ورجاحة العقل ورحابة الصدر صديقتي وأختها في نفس الجامعة لاحظت أنه كلما مرت إحداهما على الأخرى اتخذت كلا منهما طريقا أخرى، الأولى تؤيد الجيش والأخرى لا، فكان الخصام بينهما ابتداء من المنزل تأكل كل منهما في صحن منفصل وفي الجامعة يمتد الشقاق بينهما للدرجة التي لا تحدّث إحداهما الأخرى منذ شهور . في الأيام الأخيرة أصبحت لا أعطي رأيا لأحد وخاصة فيما يخص أوضاع ليبيا وما يحدث من سفك للدماء ودمار للأملاك وضياع للأموال فلن يعجب كلامي كلا الطرفين ولا المؤيدين إلى هذا الطرف أو الآخر فلزمت الصمت ووجدته أنه أأمن لي وتذكرت قول الشافعي ولا تعطيّن الرأي من لا يريده فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه المشكلة الكبرى أنك لن تنجو أيضا حتى ولو لم تبدي رأيك فاعتقادهم سيكون أنك تخالفهم أو أنك تنحاز إلى الطرف الآخر وفي الحالتين ستكون مذموما وصدق حين قال الشافعي : نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا في أحد الاجتماعات التي هي لإعداد برنامج لندوة اقترحت اقتراحا فوقفت إحدى الحاضرات معترضة استغربت فاقتراحي لا يحتمل الاعتراض واقترحت اقتراحا آخر فاعترضت فتذكرت قول عادل إمام في إحدى مسرحياته ( دا جايلي أنا بقا ) عرفت أن هذه الحاضرة ما جاءت الا لتظهر بمظهر الواثق القادر على فرض رأيه ضحكت يومها ولكن قبل أن أغادر الاجتماع تركت لها كلمتين أعتقد أنها سمعتهم لو كان لها عقل يفقه الذي يدفعني كثيرا إلى هجران الاجتماعات النسائية عادة هو وجود هذه النماذج المريضة التي تجعل الاجتماع قاعة للمصارعة وإظهار العضلات وليس لي قدرة على احتمال مثل هذه المظاهر فكان العزوف حلا لا بأس به يعجبني كثيرا قول الشافعي وأجده ردا كافيا على هؤلاء البشر المرضى والذين لا يقبلون من يخالفهم الرأي : قالو اسكت وقد خوصمت قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرف وفيه أيضا لصون العرض إصلاح أما ترى الأُسْدَ تُخشى وهي صامتة والكلب يُخزى لعمري وهو نباح وأكثر الأبيات التي تزيدني إصرارا على مجانبة الاجتماع بمن لا يرى إلا نفسه على قمة الهرم وما دونه لا شيء قول الشافعي : يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حِلما كعود زاده الآحراق طيبا أسأل الله أن يهدي العباد ويصلح حال البلاد ويشفي مرضى النفوس قبل مرضي الأبدان .