الاديبة السورية الأستاذة راغدة شفيق محمود د. محمد فتحي عبد العال
أطفالٌ ثلاث يلعبون يتراقصون تحتَ أشعة الشّمس، يرتشفون ندى الصّباح عن بتلات الزهرات الطرية الزاهية. يحلمون بمغادرة هذا المكان والطيران لخلفِ المحيطات وإرسال قبلاتهم لوالدهم الّذي يكون اللقاء به لأيام خلال العام. الأمّ تحرسُ المكان كلبوة لا تسمح بالدخول أو الخروج من المنزل وهي تعلم بوجود هذا الوحش القاتل المختفي كشبحٍ يأتي في كلّ الأوقات يتسلل إلى أيدينا وينام بهناء تحت أظافرنا المتسخة التي لم تقص ثمّ يقفز إلى الملعقة والاناء الغير معقم ليدخل إلى الرئتين بل قد يرغب أن يمارس القفز عبرَ السعال والعطس ليتمتع بنعومة الملابس ثم يتسلل إلى داخلنا. الأطفال كانوا يتحدثون بهدوء لا تلمس ثيابي لا تعطس في وجهي لا تقترب من منشفتي، هيا للنظافة عشرون ثانية غسل بالصابون والماء هيا يا أخي اخلع هذه القفازات. يردّ عليه لن أخلعها سيصل الوحش إلى يدي. أخي يجب تنظيف الأيدي استخدام القفازات تمنع من تنظيفها بشكل دائم. كانت الأم تبتسم بسعادة لادراكها أن أطفالها يدركون قواعد السلامة وهو طفلها الصغير يسأل الأخ الأكبر عن معنى فيروس كيف شكله؟ هل يمتلك أنفاً طويلاً وظهراً مقوسا وله مخالب يمزق أجسادنا ثمّ يخرج لسانه الطويل ليمتص الدماء ونموت. يجيبه الأخ الأكبر لا الفيروس ليس كائناً حيّاً. هو ضعيف جدا لا يقوى على الحياة إن لم يجد جسدا دافئاً حيّا يدخله ثمّ يتكاثر ويتكاثر وتنتقل آلاف الفيروسات لكائنات أخرى وتسبب المرض والموت . لم يفهم الصغير شيئا ولكنه نظر إلى السماء وخيم بعض الصمت. يطرق باب المنزل طرقات قوية يصاب الأطفال بالخوف والهلع ويجتمع الجميع خلفَ والدتهم التي تسأل من الطارق إنّها جارتهم ولدها أصيب بنوبة من القشعريرة والارتجاف والحرارة العالية وتطلب النجدة بخوف. الأمّ ترددت في فتح باب المنزل نصحتها منذ بداية هذه المصيبة أن تمنعه من الخروج إلى الشارع. كانَ عصام طفلاً مشاغبا لا تردعه كلمة ولا تنفع معه نصيحة حاول التسلل إلى حديقتهم الصغيرة منذ أيام للعب الكرة ولكن الأم طلبت منه المغادرة أمهم قاسية وصارمة في ذلك حتّى الزهور تم تعقيمها ومنع دخول أيّ شخص المنزل . كانت مريم تبكي وتبكي لصراخ الجارات هل عصام مصاب بالكورونا هل سيموت. الخوف يتسلل من خلال شقوق الباب وسعيد الأخ الأكبر كان ينظر من خلال شقوق باب الحديقة وهو يضع جزءا من ثيابه على فمه وكأنّه يخاف أن يقفز هذا الفيروس لفمه أو أنفه وفجأة سحبه أخوه الصغير للخلف الفيروس يدخل في العينين لا تنظر قد يدخل في عينيك يا أخي. هي دقائق مخيفة يظهر فيه العقل الإنساني الذي ينتصر على المرض وعلى الخوف. يرن هاتف الوالدة إنّه والدهم وصلَ البلاد بطريقة غير شرعية وسيأتي إلى المنزل كانت سعادتهم كبيرة عام وهم ينتظرون إجازة الوالد والعودة للبلاد والهدايا والألعاب. الأمّ ارتبكت وطلبت منه مراجعة أقرب مركز صحي لإجراء فحص شامل وإن كان يحمل هذا الفيروس الذي ينتقل في كلّ مكان. عندما سمع الأطفال حديثها سيطر عليهم الغضب ودخلوا غرفتهم لتبدأ الشكوى من تصرفات الأم وحرمانهم من رفقائهم وحرمانهم من الخروج من المنزل وحرمانهم من زيارة جدتهم النظافة الصابون والكحول ورائحة الكلور التي تطبق على أنفاسهم وأي أمّ تحرم أطفالها من والدهم. الأطفال وصلوا لقرار سيخرجون من المنزل لبيت جدتهم وهناك أحضان الجد والجدة والوالد وأولاد أعمامهم وعماتهم والفيروس لن يصل إليهم. سيضعون الكمامات والقفازات والمعقمات في ستراتهم ويهربون من المنزل، مريم الصغيرة تخبرهم بصوت منخفض قرأتُ يا أخوتي أن هذا الفيروس يمتلك عزة نفس لا يدخل الأبواب الموصدة النظيفة دونَ أن نسمح له بذلك أرجوكم لا تفتحوا الباب.