- مفتاح العلواني
في إيطاليا.. وعندما حجرت الدولة الناس وحظرتهم في بيوتهم.. ومنعتهم من الخروج.. استاؤوا كثيراً.. شعروا بالملل الشديد.. لكنهم لم يتوانوا عن البقاء في بيوتهم.. ورغم الوفيات الكبيرة.. يخرج معظمهم من شرفاتهم كلٌّ بآلته الموسيقية.. يعزفون.. وبعضهم يرقص.. يلوحون لبعضهم من بعيد بابتسامات عريضة.. ويواصلون مقاومة الموت بالغناء.
هنا.. وفي هذه البلاد الغريبة.. وعندما حُظر الناس في منازلهم.. ومُنعوا من الخروج.. حاول بعضهم أن يفعل كما فعل الإيطاليون.. خرجوا للشرفات.. وضعوا إذاعات كبيرة.. وشغلوا الأغاني التي تبعث على الحزن:
شرفة: “يا دنيا يا دوارة.. طبعك دوم غدارة”
شرفة: “عيني اتّخايل فيك وانت بعيد عليها”
شرفة: “يا غايب ليه ما تسأل ع احبابك اللي يحبونك”
في إحدى النوافذ امرأة تحاول شم نسمة فيناديها أحدهم: “نحنا هنا.. اوي يا هلنا”.. ينادي أحد المنزعجين بأعلى صوته: “طفي الاغاني علي بوك وانت ودنيتك”.. يؤيده جاره: “اي والله انك صدقت فيه هالصايع”
ينادي أحدهم من الشارع ولا نعرف كيف لم يطبق عليه الحظر: “زيد زيد الصوت يالاصلع.. سيبك منهم متاعين النكد” وبيده “عفسة” يحاول بها نسيان أمر الوباء.
في صباح اليوم التالي.. صاحب الإذاعة.. الرجل المستاء منها.. المرأة التي كانت تحاول ملاطفة الهواء.. الشاب المتمرد على الحظر.. وحتى الفنان نفسه.. اجتمعوا كلهم أمام باب المصرف.. يصرخون جميعاً.. ويلعنون الدنيا.. الدنيا التي كانت بالأمس القريب دوارة ولا تزال.