ملتقى الإبداع الثاني .. لقاء الأصدقاء

ملتقى الإبداع الثاني .. لقاء الأصدقاء

فسانيا :: ليلى المغربي

حين أعُلن عن ملتقى الإبداع الثاني الذي أقيم في طرابلس على مدار ثلاثة أيام بداية من 24 حتى 26 من ديسمبر 2016 في دورته الثانية بقصر الخلد ، لم يكن أحد منا ليتخيل أن بعض ضيوف الملتقى القادمين من مدن الجنوب الليبي سيتعرضون للاختطاف أثناء رحلتهم بالطائرة من مطار تمنهنت إلى طرابلس .

تمنهنت ـ فاليتا ـ طرابلس .

صحونا صباح الجمعة اليوم السابق للملتقى على خبر اختطاف الطائرة وعلى متنها العديد من الركاب من ضمنهم الزملاء والأصدقاء من المبدعين في الأدب والفن والثقافة ، لا يمكن ألا نشعر بالقلق حيال حادثة كهذه رغم تواصلنا معهم بالهاتف وطمأنتهم لنا أنهم بخير ، كنت أنا والعزيزة سليمة بن نزهة رئيسة تحرير فسانيا نتابع أخبار الأصدقاء المختطفين ونتبادل ما يردنا من معلومات فيما يشبه “غرفة عمليات” صغيرة ، أخفف عنها قلقها واحساسها بالمسؤولية لأنها شجعتهم على الذهاب والمشاركة كما أخبرتني ، وسليمة بدورها تطمئنني أنهم سيصلوا طرابلس وسنضحك مما حدث رغم ما شكله من ساعات قلق ورعب وانتظار ، بل تخيلنا أننا سنعاتبهم على ذنب لم يرتكبوه وكانوا ضحاياه .

يصف الأديب ابراهيم عثمونة ما حصل في الطائرة بأنهم في البداية ظنوا الأمر مزحة ، وبعد أن تأكد لهم الأمر أردف لا أحد في البداية ظنَّ خيراً لكن امرأة عجوزاً كان وجودها في الطائرة أشبه بالأسطورة . بدت لي كما لو أن الله بعثها لتشد من عزم النساء وحتى الرجال في الطيارة . وقفت من مقعدها ولفت حول جسدها رداء “المور” الحني وصارت تمشي على عكازها في الممر وتقترب وتبث في النساء عزماً فاق بعد ذلك عزم الرجال . لم أعرف تلك العجوز مَن هي ، وكنتُ أنوي أن أتعرف عليها ، لم تتح لي الفرصة ، كانت العجوز ، بردائها الموري الملفوف بشكل عشوائي حول صدرها ورأسها وخصرها وبقية جسدها ، تتحرك وتقترب من كل امرأة وتقول لها شيئاً ثم تنتقل لأخرى ، بدت لي كما لو أنها تخشى مشهد امرأة تخرّ وتقع في الممر ورجل يرش الماء على وجهها ، استبقت الحدث حتى لا تقع النساء في الممر وحتى لا يرش الرجال على النساء الماء . كان شيئاً غاية في العظمة وهي تحرضهن على التماسك ، بدت لي كما لو انها تقول لهن أنتن مَن أنجب الرجال وليس العكس، ما أعظم هذه العجوز.

 الطريق إلى الملتقى معبد ببطاقة

ولأن وجهة المختطفين كانت ملتقى الإبداع الثاني في طرابلس دعوني أخطفكم إلى أجواء هذا الملتقى المقام في طرابلس وتبدأ فعالياته بالإحتفال بذكرى يوم الاستقلال ، بحضور رسمي من المجلس الرئاسي و قناصل بعض الدول وعدد كبير من مبدعي ليبيا في الأداب والفنون والاعلام ، لكن هل مرت الأمور بسلاسة أم واجه بعض الضيوف عقبات ؟”تقدم عدد من نخبة المثقفين من عدة مدن ليبية بفكرة مشروع الملتقى للهيئة العامة للثقافة” حسب تصريح السيد محمد الهدار (رئيس اللجنة العليا للملتقى ) ، ويضيف الهدار”برعاية كاملة من طرف الهيئة شُكلت اللجنة العليا وانبثقت عنها لجان فرعية لكل منها مهام محددة ، منها لجنة الاتصالات التي تولت مهمة التواصل مع المثقفين في جميع المدن الليبية من طبرق شرقاً إلى رأس جدير غرباً ،ومن القطرون جنوباً وحتى الساحل شمالاً ، اختارت سبعة عشر مندوباً على مستوى ليبيا لانجاز هذه المهمة في وقت وجيز”كان الدخول لقصرالخلد مقر الملتقى في اليوم الأول مقروناً بدعوة وبطاقة ولم يتمكن معظم المبدعين من حضوره أو نظراً لارتباك ما في توزيع وتوجيه الدعوات حصلت بعض الأخطاء وعن هذا الأمر يقول الصحفي والإعلامي يونس الفنادي “بدا لي من الوهلة الأولى أن اللجنة التنظيمية غير مؤهلة لمثل هذا الحدث لأنها كانت تنتهج المزاجية وعقلية “الرغاطة” الاستعجالية من أجل أي شيء … وبسرعة .. تتخذ من الثقافة والوطن شعاراً دون أن تعطيهما حقهما من الترتيب الجيد والإعداد المتوازن. حين علمتُ بفكرة تنظيم الملتقى فرحتُ كثيراً وتأملتُ خيراً ولكن لم يدم ذلك طويلاً حيث اتضح لي من خلال تواصلي عبر الفيس بوك مع بعض أعضاء اللجنة وتوقعتُ أن الحدث لن يكون بمستوى العنوان أو الشعارات المرفوعة.”يضيف الفنادي” وخقيقة فقد أزعجني كثيراً منع الكثير من الأدباء والصحفيين من الدخول في اليوم الافتتاحي الأول .. وقد قابلت الأستاذ الدبلوماسي والأديب حسين المزداوي عند بوابة الدخول أمام القصر وقد منع من الدخول وقد تقدمت للحديث مع أفراد الحراسات محاولاً إقناعهم بأنني لا أطلب منهم السماح لي بالدخول بل السماح للاستاذ المزداوي لأنه أحق وأجدر… فرفضوا السماح بالدخول وكذلك الإذاعي محمد بوراس وآخرين .. وحفظاً لماء الوجه غادرتُ المكان وكذلك الأستاذ حسين المزادوي بكل أسف ومهانة. وللعلم فإن رئيس اللجنة التنظيمية الدكتور أحمد الرشراش نشر البرنامج العام للملتقى على صفحته وكذلك على صفحة الملتقى في الفيس بوك دون أن يشير إلى أن حفل الافتتاح خاص بالنخبة .. هذا لو افترضنا أن هناك نخبة قد حضرت .. ولم يشر إلى أن الحضور ببطاقات الدعوة … ولم يشر إلى أن الحفل سيكون له جانب سياسي تزامناً مع ذكرى الاستقلال .. للأسف صدمنا بأن العقلية التنظيمية لازالت تتسم بالجهل أو التجاهل للمثقفين والمبدعين الحقيقيين في ليبيا وبالتالي تغييبهم أو تغيبهم عن هذا المحفل.ويوضح الأديب والناقد حسين المزداوي بقوله” ذهبت ووجدت الطرق مغلقة نتيجة الازدحام في بعض الشوارع لذلك وصلت متأخراً، ووجدتهم أغلقوا أبواب الدخول لأسباب أمنية ، تفهمت الأمر، ثم جاء السيد يونس الفنادي فسلم علي أنا وَعَبَد الله زاقوب، فمنع هو الآخر، فتحدث عني أن هناك كاتب ودبلوماسي، ثم نادى عليّ فذهبت اليهم، ووجدت الأمن متمسكين برأيهم فاحترمته، وذهبت في حال سبيلي” أما الشاعرة حنان محفوظ عبرت عن رأيها في الملتقى ككل بقولها ” عندما ذهبت لحضور حفل الافتتاح وجدت أن الحفل تغير من حفل افتتاح لملتقى ثقافي الى حفل ذو طابع سياسي بحضور رئيس المجلس الرئاسي السراج ،ولم يكن احتفالاً بذكرى الاستقلال ،لهذا اعتذرت عن المشاركة في الأمسية الشعرية الخاصة بشعراء الفصحى والتي كان من المزمع اقامتها أخر أيام الملتقي لسوء التنظيم من حيث تبليغ الشعراء بدعوات الحضور مبكراً وغيره من الترتيبات التي اتسمت بالفوضى .”في هذا الشأن يوضح الهدار” لاحظنا عزوفاً لدى بعض المثقفين عن الحضور ولم نعرف الأسباب وخاصة من المناطق القريبة ، وقد تم توزيع 700 بطاقة في طرابلس وأي قصور في دعوة المثقفين يوجه لأعضاء لجنة الاتصال المشرفين في هذا الشأن والمكلفين بهذه المهمة” يؤكد الكاتب والناقد محمد الزنتاني  ” لم أتلقى دعوة للملتقى ولم أسمع به إلا من خلال الكاتبة عائشة ابراهيم فيما بعد” ، ويضيف” سمعت من الأصدقاء عن سوء التنظيم وما تخلل الملتقى من فوضى وعدم تحضير جيد ، واتمنى أن تشهد المواسم القادمة تحسناً

“ليبيا تجمعنا” شعار للملتقى

يرى الصحفي عبدالله بوعذبة أن للملتقى وجه ايجابي بقوله ” الملتقى بادرة جميلة تجمع المبدعين في ظروف استثنائية وصعبة لتجمعنا على السلام والوئام بعيداً عن الاقتتال والجهوية والقبلية ، وتقريب وجهات النظر بعيداً عن السياسة من اجل الوطن ،كما أنه يتبني الحوار الهادف بين المبدعين في الداخل والخارج من المهجرين والنازحين ، ويرسم لوحة الامل بأن هناك من يزرع الامل بالابداع في المستقبل” تشاركه هذه الرؤية الايجابية الكاتبة عائشة ابراهيم يقولها ” الشعار “ليبيا تجمعنا” والذي أطلق على الملتقى، كان كافياً ليجعلني أقرر الحضور، وأتصور أن أي حراك ثقافي في هذه المرحلة هو حالة نضال من أجل القيم الجمالية والتواصل بين أبناء الوطن الواحد. وبغض النظر عن بعض الهنات في التنسيق يعتبر البرنامج جيد ويتضح فيه حجم الجهود التي بذلت من القائمين. وقد تضمن الملتقى مجموعة من الأفكار والملاحظات والمقترحات تناولت وعلى درجات متفاوتة القضايا الوطنية والمختنقات الثقافية” فيما يختلف معهما الفنادي وفق تعبيره  سأعتبر أن الملتقى الوطني الثاني للإبداع قد أضر_ من خلال قصور القائمين عليه_ بالثقافة ولم يحترم المثقف والمبدع الليبي الحقيقي وهذا ما تأكد لاحقاً من خلال ما نقله إلينا بعض الزملاء الذين دخلوا وحضروا وأكدوا على ما ذكرته آنفاً مثل انعدام برنامج العمل الواضح ولم يكن هناك تكريم ولا توجد توصيات أو نتائج عملية مهمة للقاء. ولكن رغم ذلك لابد أن نؤمن بأن هذه العقلية الارتجالية لن تستمر طويلاً فليبيا ستحضن المثقف والمبدع الحقيقي الذي لا يقدم إلا ما هو مشرف للوطن وللثقافة ولا يرضى أن يتخذهما مطية وشعاراً بل يضحي في سبيلهما ليظل مميزاً بهما.يتفق بوعذبة في هذه النقطة مع الفنادي بتأكيده ” عدم كفاءة المشرفين على الملتقى يظهر من خلال سوء التنظيم وعدم احترام الوقت والارتجال في العمل ،لم يكن هناك برنامج عمل واضح فقط مكتوب على ورق ولم يتم تكريم اي مبدع من الجيل السابق وخاصة الذين فقدناهم بعد الاحداث ولو بكلمة وفاء في حقهم”

التوصيات خيالية ويصعب تحقيقها على أرض الواقع

في كل ملتقى أو ندوة هناك نتائج وتوصيات تحدث عنها رئيس اللجنة الهدار وبعض الحاضرين من المثقفين يقول الهدار” كان المحور الرئيسي للملتقى وهو التعويل على المثقفين لحل المختنقات السياسية والثقافية التي تمر بها الدولة الليبية في الوقت الراهن ومحاولة انتشال هذا الوطن من مرحلة السلاح إلى مرحلة السلم والبناء ، ولهذا فقد قسمنا الحاضرين إلى مجموعات وكل شريحة من المثقفين خرجت بتوصيات وقد شكلت لجان لصياغة هذه التوصيات وإعلانها.. وضعنا لجنة ستعمل على متابعة تنفيذ جميع هذه التوصيات مع الجهات المختصة سواء في البرلمان وحكومة الوفاق والوزارات المعنية كل وفق اختصاصه.” ولعبدالله بوعذبة رأي أخر حيث يقول” التوصيات خيالية ويصعب تحقيقها على أرض الواقع ، لأن المسؤليين في الثقافة ليسوا من المبدعين الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه المبدعين والمؤسسات الثقافية ، وأنا طردوني من الجلوس على الكراسي الأمامية بحجة أن الصفوف الأولى للسفراء والكراسي في الصف الثاني لضيوف الدرجة الأولى وقالوا لي إجلس في الصف الثالث ، وللأسف وزعوا شهادات تقدير على بعض الحاضرين ونحن قالوا لنا أسفين فقد تبين أنها لم تكتب بعد ، وسوف نرسلها لكم قريبا في سبها .”مضيفاً “لم يكن الملتقى بالمستوى المأمول ولكن أهم شي اننا التقينا ببعض الأصدقاء وتعرفنا على وجوه جديدة .”  أما الكاتب ابراهيم زائد كان له تصريحاً مختصراً قال فيه” علينا ان نعترف ان ملتقى اﻻبداع الوطني كان مخيبا لﻻمال …لم يقدم شيئاً …التقينا وسنفترق وسنلتقي بعد أربع سنوات ، وهي فرصة لإعادة العبث السابق وإنتاج الفوضى تحت مسمى جديد… سنكذب على انفسنا وسنستعرض الكثير من عضلاتنا الضامرة..”

والتصريح الأكثر اختصاراً كان للكانب المسرحي حمادي البرناوي بقوله حضرت العديد من المناشط الثقافية ولم أخرج منها إلا بفائدة واحدة وهي فرصة اللقاء بالأصدقاء ” في الختام أود التنويه أنني تواصلت مع العديد من المبدعين والمبدعات ممن حضروا/ن ، وممن غابوا/ن لأسباب عديدة منها عدم تلقي دعوة ، كثر منهم/ن أثروا الصمت وفضلوا عدم التصريح ايجاباً أو سلباً واحترمت صمتهم/ن .. كما أود أن أضيف شهادتي بإعتباري أحد المشاركين في الأنشطة الثقافية ولي مساهماتي الأدبية والفنية ” لم أتلقى دعوة رسمية وحين علمت أن حضور الافتتاح بالبطاقة اعتذرت عن الحضور وابلغت الدكتور رشراش ، فيما بعد وقرابة الساعة الثالثة والنصف راسلني السيد أسامة الكميشي أحد أعضاء لجنة الاتصالات وأبلغني أنني مدعوة أنا وزوجي الصحفي والفنان الفوتوغرافي طه كريوي ، لكنني أبلغته باعتذاري لأن الوقت تأخر والافتتاح على وشك أن يتم ، والحقيقة أنني لم أكن أنوي الحضور لولا إلحاح العزيزة سليمة بن نزهة من ناحية ولأنني كنت أرغب بلقاء الأصدقاء القادمين من الجنوب وتحملوا عبء الرحلة ، في اليوم الثاني والثالث ذهبت بصفتي الصحفية وقمت بأخذ تصريحات الضيوف والمشرفين والتقطت بعض الصور .  لاحظت غياب عدد كبير من مثقفي طرابلس الذين يشعلون المشهد الثقافي في مناشط عديدة ، تلك الوجوه التي اعتدت رؤيتها ومصافحتها ، ألمني غيابهم/ن ، وحين سألت علمت أن الدعوات لم تصلهم أو على الأقل من سألتهم ، وما أثار استغرابي وصول بطاقات الدعوة لأشخاص لا علاقة لهم بالمشهد الثقافي ، فقد أسرت لي صديقة أن ابنة جيرانهم وهي طالبة جامعية تلقت بطاقة دعوة من صديقها .وربما من حقي وحق العديد من المبدعين الذين تم تجاهلهم أن نسمع رداً من اللجنة المنظمة للملتقى أو الهيئة العامة للثقافة ، لأن الثقافة وسيلتنا الوحيدة التي نعرفها وطريقنا الذي قررنا السير فيه وعبره للمساهمة في البناء”  .

 

 

 

 

 

 

 

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :