من رواية جاييرا

من رواية جاييرا

سراج الدين الورفلي

جدي كان يقول: ” إنْ خِفتَ فـعليكَ أنْ تنسى، وجِّه جُبنك ناحية النسيان، إن كنت شجاعًا تذكّر، لا تكن جبانًا وكثير التذكر، ستظل ترتعد إلى يوم الدين مثل حمامة. لذلك كان منشارًا آليًّا، لا يرحم، لا يجيد سوى قطع العلاقات، أما أبي فقد بركت فوقه كل نساء العائلة لأنه كان لطيفًا، خنقنه بإلياتِهِنَّ العملاقة، جثمْنَ فوق صدره بشكاويهن التي لا تنتهي، لم يصمد طويلاً، أصابته الجلطات والذبحات الصدرية، كان ضغط دمه يرتفع ويهبط في اليوم الواحد سبعين مرة _ أبي كان يرضع من الكتب، أما جدي فقد رضع من ذئبة الطبيعة، قال لي ذات مرة :

مشكلة أبيك أنه رآني دائمًا مخطئًا، كنت كذلك، لا أنكر، لكن ما هو الصواب؟! حقًّا ما هو الصواب؟ لم أعرف يومًا ما هو ، كيف يكون ، كيف يمكن تمييزه ، الصواب هو ألَّا تأتي أصلًا، ألَّا تُولَد، ما الصائب مثلًا في طبيب ينقذ جنينًا من الموت لتحلَّ على هذا الجنين- بعد ذلك  حين يكبر- كلُّ مصائب وفجائع الدنيا، إن كان عليَّ أن أتبول فوق رأس أحد، فسيكون ذلك المعتوه الذي سحبني من أذني إلى هنا، بلا استشارة ، بلا استئذان ، وقاحة ما بعدها وقاحة، ما دون ذلك فهو عبارة عن مجموعة أخطاء مرتَّبة بشكل مبهم ، بشكل غير مفهوم ، لذلك يُطلق عليها صواب ، لا يوجد قرارٌ صائب ، كلمة صائبة ، نظرة صائبة ، إلّا وستجلب معها مآسي، مشاكل ، زوابع وعواصف من المشاكل الجديدة، والتي تحتاج لفعل صائب جديد لتتكاثر مرة أخرى ، خراء لا نهاية له، معركة استنزاف، حرب خاسرة بينك وبين كل شيء.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :