موسم الهجرة إلى الوهم

موسم الهجرة إلى الوهم

عمر عبدالدائم

حياة الجنوبيين لابُدّ أن تتغير. كيف؟! .. لا أعرف لكنّ هذا الواقع الظالم لابدّ ان يتغير .. لابدّ أن يتحرك .. يتزحزح على الأقل. واقع المعاناة التي تعيشها اُسَرٌ تسكن “حج حجيل” أو “تساوة” او “فنقل” أو غيرها من البلدات الواقعة في وادي الآجال و وادي عتبة وخط مرزق التي لم يسمع الساسة الذين يتبادلون الكراسي والألقاب و”الأنخاب” حتى باسمها ولا يعرفون حتى كيف تُنطق ، تلك المعاناة لا يمكن أن تخطر لهم على بال وبالتالي لن تفزع نومهم الهنيء أو تفسد أحلامهم الوردية. لم أذكر سبها برغم ضنك العيش فيها لسببين .

الاول لأن الجنوب لا يعني سبها فقط ، وإن كانت سبها تمثل حاضرته التي تؤثر فيه و يتأثر بها سلباً و ايجاباً.

السبب الثاني هو أنّ سبها – و ما يقع شمالها من مناطق – ساهمت ومازالت تساهم بشكل كبير في هذا البؤس الذي يعيشه الجنوب بما تشهده من سلبية اهلها تجاه كل هذه الجرائم التي ترتكب يومياً امام الأنظار من سطو مسلح إلى تهريب الوقود والبشر وحتى الحجر والشجر ، ناهيك عن حوادث قطع الطريق والتي لم يسلم منها أهل الجنوب اليتيم. إن هذه الحوادث التي (يغطي منها الشيطان وجهه) تحدث على علم كل من في سبها من (جيش!!) و(شرطة!!) و(قيادات اجتماعية!!!) و (قبائل !! متناحرة حيناً ومتعانقة أحياناً) … فلم تستطع كل هذه المسميات تأمين طريق بطول كيلومتر واحد في وسط سبها!! ومما يزيد الطين بِلّة أنّ سبها والمناطق التي تقع شمالها اصبحت حجر عثرة في طريق حتى ذلك (الفُتات) الذي يتصدق به الشمال على الجنوب البائس ، فيقطعون بذلك ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض.. قد يقول أحد الأصدقاء (نحن في الشمال ايضاً نعاني نفس المعاناة) ، فأقول صادقاً :أعرف أنّ ليبيا كلها تعاني شرقاً وغرباً .. وسطاً وجنوباً… وهذه حقيقة لا مِراء فيها و لا يختلف عليها عاقلان ، غير أنّ المأساة التي تعيشها تلك البلدات المتناثرة في رقعة جغرافية كبيرة لا يمكن تصورها .. ولكم أن تتصوروا انعدام الخدمات الصحية وانقطاع الكهرباء لأسابيع (وأحيانا لشهور) أمّا اسعار الوقود التي تصل إلى أكثر من 20 ضِعفاَ (حيث يباع لتر البنزين بمتوسط 3 دينار في حين أن سعره 15 قرشاً في الشمال) وهذا أيضاً غيضٌ من فيض. نكبة أخرى مُني بها الجنوب تتمثل في أولئك الذين يختارهم الناس طمعاً في أن يلتفتوا لكل ما ذكرنا ، فإذا بهم يتنكرون أشدّ النكران لمناطقهم ولمن انتخبهم و أوصلهم أماكن ما هم ببالغيها.. فجعلوا من الجنوبيّ مواطناً من الدرجة الثالثة ، ولنا في من “أبدل جلده” في المؤتمر الوطني ومَن “تبخّر” في النواب ومَن “صمَت” في الرئاسي ومن “صار يتكلم بأنفه” في الوزارات خير دليل على ذلك. إن تخصيص جزء من الميزانية لبرامج “التنمية المكانية” وطرح خطط للتنمية المستدامة والاهتمام بالقرى والبلدات النائية من الناحية ابصحية والتعليمية وفتح الأفق أمام شبابها وإعادة النظر في معاشات المتقاعدين … كل هذه الأمور وغيرها اصبحت ضرورة مُلِحّة ولم تعد “رفاهية” كما يتصورها من يتقاضى 16000 دينار كل شهر ناهيك عن العلاوات والامتيازات.. لا بدّ من وضع حد لهذه المعاناة ليتمتع المواطن الجنوبي بخيرات بلاده لأول مرة ، ويطرد من رأسه هاجس (موسم الهجرة إلى “الوهم”). *

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :