مَا بَيْنَ المُؤْتَمَرِ الوَطَنِيِّ الجَامِعَ وَالبَدِيلَ الاِنْتِخَابِيِّ بِلِيبِيَا (3)

مَا بَيْنَ المُؤْتَمَرِ الوَطَنِيِّ الجَامِعَ وَالبَدِيلَ الاِنْتِخَابِيِّ بِلِيبِيَا (3)

   كتب :: محمد عثمونة                                             

لقد تناولت فى ما تناولته فى الجزئين السابقين من تحت هذا العنوان وانتهى بنا التناول إلى إمكانية ولادة . كيان وطني ليبي جديد غير الذى كان . ومن ملامحه المميزة . ظهور وعي عضوي غير مسبوق , لهذا الكيان . تَخَلّق بفعل وتفاعل وتمازج المفردات بالمراحل . التي صاغة وشكلت هذا الكيان الجديد. و أشرنا إلى أن هذا الوعي العضوي . يتكئ على الواقع الجغرافي الملموس والمحسوس للكيان الوطني الجديد . وقدرنا بأن هذا الوعي مع اكتماله سيتّجه في ما سيتّجه إليه نحو إعادة النظر في مفردات ومصطلحات ومفاهيم قاموسه السياسي وذهبنا في مقاربة توضيحية لذلك . واتخذنا من مفّهوم (الغرب السياسي) كمثال وقلنا بأن هذا الوعي العضوي سينتبه بأن ما اصطلح عليه (بالغرب السياسي) لا يجب النظر إليه . من على جغرافية شرق المتوسط وشمال أفريقيا . والتعاطي معه على أنه غرب سياسي واحد . فمعاينة هذا المفهوم – الغرب السياسي – من خلال الواقع الموضوعى للكيان الوطنى الليبي الجديد يُظّهره بأنه غربين اثنين . وليسا غرب سياسي واحد . غرب أوربي وهو ما تضمه اليابسة الأوربية . وغرب آخر أطلسي انجلوسكسونى . وذهبنا إلى حصر النقاط . التي جعلت منهما غربين متمايزين فى الآتي : *غرب أوربي يلتقى معه شرق المتوسط وشمال أفريقيا في جغرافية وثقافة شعوب حوض المتوسط . * غرب أطلسي انجلوسكسونى لا يُشاركه في شيئا مما فات ذكره . فهذا ينتمى إلى فضاء جغرافي وثقافي آخر . غير أنه تمت عامل جوهري وأساسي آخر نتج عن التعاطي المختلف لهذين الغربين مع جغرافيتنا هذه . . اتنا الحقبة الاستعمارية . فبالرجوع إلى تاريخ هذه الرقعة الجغرافية مع مرحلة المد الاستعماري نجد كِلا الغربين عندما سعيا نحو وضع أياديهما على رقعة شرق المتوسط وشمال الأفريقي . بغرض جعلها جغرافيات تابعة ومنّضوية تحت مظلتهما الاستعمارية الواسعة توجّه حينها كِلا الغربين الأوربي والأطلسي إلى المرتكز الثقافي لهذه الجغرافيات . للاشتغال عليه . وجعله أداة لهم لتحقيق مبتغاهم ذاك . * فذهب الغرب الأوربي . فى اتجاه إحلال بديله الثقافى مكان المفاعيل الثقافية التي يتشكل منها المرتكز الثقافي للجغرافيات التى وقعت تحت يده في شرق المتوسط وشمال أفريقيا وسقط هذا البديل الثقافى باكرا مع المواجهات الأولى لما عُرف تاريخيا . بمرحلة التحرر الوطني . ** امّا الغرب الأطلسي . المتمثل حينها بالاستعمار الإنجليزي فقد سلك سبيل آخر وكان خطيرا ركّز فيه هذا الإنجليزي على اختراق هذا المرتكز الثقافي . ببعديه الديني والقبلي وسعى للوصول لهدفه هذا . عبر دراسة جيدة وموسعة لهذا المرتكز الثقافي في مكوّناته . أدواته . آلياته . مرّجعياته إلخ . عبر رحّالته وجواسيسه ومراكز أبحاثه استوعبه وهضمه وتمثله ومن ثم اشتغل على ابتداع تيار فكري مواز داخل هذا المرتكز الثقافي لهذه الجغرافيات وقد نجح فى ذلك ولا يحتاج المتتبع المهتم لجهد كبير للتعرّف على حضور هذا التيار في مناشط وتفاعل وحراك تيار الحياة اليومي داخل هذه الجغرافيات وإن تخفى في تعاطيه مع الواقع اليومى . بذات اللسان واللباس وتفاعل مع ذات الرموز والمرجعيات . وتعامل بذات الشعائر والطقوس وقد عمل عرّاب هذا التيار الفكري على أن يكون عائد ومردود تعاطي هذا التيار مع جغرافياته يصب فى صالح وخدمة ومرامي عرّابه الانجلوسكسونى العتيد سوى على نحو مباشر أو غير مباشر . كنت أحاول القول . بصيغة أخرى وبتركيز شديد . لقد تمكن هذا الإنجليزي بواسطة مكونات و مفردات هذا التيار الفكري الموازي ببعديه الديني والقبلي . من وضع الأسس والقواعد المتينة لإقامة (مسجد ضرار) . لينهض صرحا عاليا وفاعلا . داخل المرتكز الثقافي لجغرافيات شرق المتوسط وشمال أفريقيا وبه تمكن هذا الانجلوسكسونى من الوصول إلى كل ما يًريد . بعيدا عن كل جريرة أو تبعات أو أوزار قد تطاله حتى وإن جاء وصوله إلى هدفه على انقاض ودمار وأشلاء الآخرين فها نحن الآن في وقتنا البائس هذا نعايش ونحسّ صوت وصورة بعض من ثقل ووقعْ حراك هذا التيار وتفاعله المدمّر الذى طال كل شيء فى حياتنا حتى الضروري اليومي منها وقد صار بعبثه هذا ملء السمع والبصر . وقطب رحى أحداث هذا العالم البائس وتمكن بأبجدية سفهه هذه من نحت اسمه بالدم والدمار ورائحة البارود . كعلامة من علامات هذا العصر البائس . ولكن دعونا نتابع بعض من المشاهد المقتضبة لمراحل نشأت هذا التيار الفكري الموازي وتطوره فمند بداية إرهاصات تشكّله فى الوجود شاهدناه فى تجسداته البدائية وتمظهراته الاجتماعية المُبكرة ذات الصبغة البدوية كيف انتفض مُستنفرا ليمتطي صهوة فرسه ويعتلى راحلة بعيره في معمعة الحرب العالمية الأولى ليقاتل حذو النعل بالنعل مع صانِعيه . ويساندهم في دفع وإزاحة اليد التركية عن بعض جغرافيات شرق المتوسط . لتؤول هذه الجغرافيا في ما بعد إلى يد عرّابه الإنجليزي . وصايتا واحتلال . وصار هذا التيار الفكري . مع تقدمه فى الزمن يطور من نفسه ويُدعّمها بروافد جديدة تزيد فى قوته وترفع من معدل أدائه لتؤهلها للقيام بأدوار ومهام جديدة ولكن كل هذا ليس ببعيد عن سمع وبصر ويد صانِعيه فبعدما تخلى عن وسائله وأدواته القديمة في فرسه وراحلة بعيره واستبدلهما بسيارات (اللاندروفر) وعربات (الجِيب) واستعاض عن سلاحه القديم بمدفع رشاش ذو كثافة نارية عالية و بقاذف صاروخي لمعالجة الأهداف ذات الدروع السميكة . والأهداف الجوية أيضا . شاهدناه مع ثمانينات القرن الماضي بعدما ارتدى قناعه الديني ينخرط في جاهد مستميت عبر الممرات الضيقة

وعندما أزفت ساعة تشكيل الشرق الأوسط الجديد في دهن وعقل مُخطّطيه وصانِعيه وفي اللحظة التي بادر فيها الغرب الأطلسي . بالترويج لمشروعه هذا . وسعى نحو خلق البيئة النفسية لانطلاقته وذهب إلى اجتراح مُصطلح (الفوضة الخلاّقة) كإطار لإنجاز ما عزم عليه لم يتباطأ منبر هذا (المسجد الضرار) في الدعوة إلى حالة النفير تحت غطاء وتأويل دينى يقول بأولوية مقاتلة العدو القريب . فانطلقت السيارات المفخّخة . لتعصف دمارا بمدن جغرافيات شرق المتوسط وشمال أفريقيا لتحيلها أشلاء وأنقاض فصار بهذا الاستنفار العمران داخل هذه الجغرافيات خرابا وزحفت الأمواج البشرية المرعوبة الهاربة من هذه الجغرافيات المستهدفة بالدمار ميمّمة بوجهها صوب القارة العجوز كما أسماها غريمها الغرب أطلسى . كل أو جل هذه الأحداث . قد عايشنا تمظهوراتها السيئة . فى دنيا واقعنا اليومي المعاش ولانزال. وعانينا الكثير من مردوداتها المدمرة . داخل هذه الجغرافيات البائسة وطالت آثاره المميتة . بعض من جغرافيات الغرب الأوربي ولكن ومن خلال المتابعة لجل المقاربات التي تستهدف التضيق على هذا التيار ومن ثم الوصول إلى شل وتفكيك , آلته المدمرة . نجد بأن كل المحاولات التي تناولته . كانت غير جادة في تعاطيها مع هذا التأزم . لأنها وبإيجاز القول . لم تذهب إلى العقل الذى تفتّقت موهبته . عن صناعة آلت هذا الدمار الذي يعصف بالحياة لتخنق هذا الغول في خلايا ذلك العقل المشوّه وهذا في الإمكان تحقيقه وتحقّقه بسبل عدّه فمثلا قد يذهب المتضرّر من كل هذا العبث المدمر. الذى يطاله فى كل مناحي حياته في داخل هذه الجغرافيات التابعة نحو التفتيش .عن موطأ الجرح المؤلم في كيان هذا العقل المشوه وعند الوصل إلى موضع الألم سيتراجع هذا العقل المريض وسيعيد النظر فى جملة حساباته . لأنه يعرف حينها . باللا مفر من تحسس مصيره قبل تحسس القاعدة العلمية التى تقول بأن لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه . . انتهى .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :