مُداخلة على هامش الحرب الأوكرانية

مُداخلة على هامش الحرب الأوكرانية

محمد عثمونة

 الحرب وجه من وجوه التدافع في ذروة تجلياته . وهي شر لابد منه , من جهة أن التدافع في جميع وجوهه وبجميع تدرجاتها . هو وليس غيره من يمتلك الطاقة التي تحتاجها عجلة الحياة للحركة والدوران . وبالتالي ليس في المقدور على تحيد التدافع ولكن في الإمكان احتوائه والانتهاء به إلى أدنى تدرُجاته التي تبتعد به عن شططه الضار غير المفيد . فالحرب الدائرة في وقتنا الحاضر على التراب الأوكراني والتي نشاهدها على نحو مباشر صوتا وصورة عبر وسائل الاتصال الحديثة التي تمكنت عبقرية العقل البشري من ابتداعها ومن ثم تطويرها والوصول بها إلى مستوى متقدم تمكّنا بها ومن قرى على أطراف صحارى فزان . من متابعة أحداث الحرب في نتائجها وارتداداتها أولا بأول .

ولكن ومن المريع لم نحس بالتفاتة مسؤولة من هذا العقل نحو ما قد يسببه هذا التدافع الذي نشاهده يتصاعد إلى حالته القصوى إلى ما أسميناه حربا كما تظهر بتفاصيلها أمامنا جهارا على شاشة التلفاز ببيوتنا . بل نرى هذا الذي تعارفنا عليه بمسمى الغرب الليبرالي والذي يحمل بيده مشكاة عقل هذا العصر غير المُروّض منشغلا حتى التوحّد بالسعي نحو زيادة أوار الحرب والرفع من ألْسنة سعيرها. وللإنصاف وكما أظهرت حرب العراق الثانية وأكدته حرب أوكرانيا بأن الغرب ليس غربا واحدا بل غربين اثنين .

غرب أوروبي وهو ما يتمدد بكياناته السياسية على اتساع تراب القارة الأوروبية . وهذا الغرب الأوروبي شاهدناه في حرب العراق الثانية وفي هذه الحرب الأوكرانية ينزع وبقدر مقبول نحو التعاطي مع الحرب بمقاربات لا تتجاهل المواثيق الدولية ويتّخذ من الهيئة الأممية وتشريعاتها الدولية مرجعية في تفاعله مع الحرب .

ربما كان في عدم انجراره إلى حرب العراق دون تفويض من الهيئة الأممية بيّنة وشاهد على ما ذهبنا إليه. وأيضا في لقاءات بعض زعماء الغرب الأوروبي مع الرئيس الروسي قبل اندلاع الحرب الأوكرانية تأكيد لقولنا السابق. في حين نجد الغرب الآخر . وهو باقي الغرب الذي لا تضمه يابسة القارة الأوروبية .

و نستطيع الإشارة إليه بالغرب الأطلسي يسلك وينتهج منحى مختلفا في تعاطيه مع الحرب والتفاعل معها . فهذا الأطلسي وتحديدا في وجهه الإنجليزي نجده أكثر حماسا إلى الدفع في اتجاه الحرب قبل وقوعها وأكاد أقول إنه من شَرَعَ إلى جر العالم نحو فضاء الحرب. عندما اخترقت قطعة من سُفنه الحربية المياه الإقليمية لروسيا بالبحر الأسود أكبر بالبحر الأسود.

وقد كان وبعد اندلاع الحرب أكثر اندفاعا نحو تطويرها. وربما كانت هذه الأسباب وغيرها بالرئيس الروسي نحو رفع حالة الاستعداد لسلاح بلاده الاستراتيجي أي النووي وفي المقابل نجد الوجه الآخر للغرب الأطلسي في صيغته الأمريكية . كان وبقدر ما أكثر حذرا في تعاطيه وتفاعله مع الحربين العراقية و الأوكرانية.

ومن هنا لا يجب على العالم مجاراة الغرب الأطلسي في وجهه الإنجليزي تحديدا , في تعاطيه وتفاعله مع الحرب . فلجمه وترويضه أقرب إلى ترويض الحرب واحتوائها . خاصة بعدما عرفنا مما قالته الحرب على لسان خبرائها العسكريين الاقتصاديين والأمنيين إلخ . بأن أوكرانيا مع روسيا هما من يمثل خزان الحبوب ومشتقاته الذي يتغدى عليه العالم الثالث وشرق آسيا.

وهما من يمد الغرب الأوروبي بالطاقة والحديد والكثير من المواد الأولية. وأنا هنا أقول قد يتراجع الاندهاش وحالات الاستغراب التي قد تعم بلدتي ومحيطها الناتجة عن وصول ارتدادات الحرب بهذا القدر من السرعة على سعر رغيف الخبر وقد تتوالى مُضاعفاتها لتلامس باقي ضروريات الحياة .

فالاستغراب قد تتراجع مفاعيله عندما نعرف ويعرف الجميع بأن من يتولى إدارة الملف الليبي داخل مجلس الأمن وأروقة الجمعية العامة هو لا غيره من استدرج العالم إلى فضاء هذه الحرب عندما مَرّر أحد سفنه الحربية إلى داخل المياه الإقليمية الروسية بالبحر الأسود مما دفع الروس لملاحقته جوا بصليات نارية تحذيرية. واندفع بعد اندلاع الحرب في المشاركة وبحماس بالغ نحو الرفع من وتيرة إيقاعها. وهو يقوم بكل هذا في تقديري ليس انحيازا لخندق دون آخر من خندقي الحرب .

بل يقوم بكل هذا انحيازا إلى خندق الحرب ذاتها ليس غير . والغريب في كل هذا أن تُسند للغرب الأطلسي في وجهه الإنجليزي تحديدا . ويكلف من طرف الهيئة الأممية لمعالجة ملفات حرجة.

ومنها الملف الليبي ليتولى وبعقليته الغريبة ولا أريد قول غير ذلك أمر وشأن ليبيا الداخلي والخارجي استنادا على البند السابع لقرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بليبيا الانتفاضة. كل هذا تمَ ويتم من خلال منظومته العميقة عبر تحريكه للبيدق الكبير . بعدما حصّن بيدقه هذا بشرعية دولية معتمدة بختم الهيئة الأممية.

ولكن في تقديري أن من يتمتع بهذه العقلية الغريبة . لا يستطيع بل لا يميل إلى تفكيك تأزم ملف يقع بين يديه , وفي الغالب يذهب أو ينزع وعلى نحو تلقائي وبأريحية عالية نحو تفخيخه وأعتقد جازما بأن عجز الهيئة الأممية عن القيام بدورها اتجاه الأمن والسلم الدوليين يرجع في أحد أسبابه الرئيسية إلى حضور هذه العقلية الغريبة وبقوة في داخل أروقتها. وهي – العقلية الغريبة – التي وكما تقول الأحداث عنها ماضيا وحاضرا لا ترى في الآخر المختلف ليس غير عدو وفي أحسن الأحوال منافس غير مرغوب فيه يجب تحّيده.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :