نحو أسلمة وأقلمه البحوث اللغوية والأدبية

نحو أسلمة وأقلمه البحوث اللغوية والأدبية

علي أبولاجي عبدالرزاق

انطلاقا من مبدأ أؤمن به -ولا شك أن كثيرين من الزملاء يخالفونني فيه- وهو أن أي تخصص معرفي وبأية لغة كان، تحدد قيمته على قدر قيمة الهدف المتوخى من دراسته، انطلاقا من هذا المبدأ، إضافة إلى تجربتي المتواضعة في ميدان التعليم العربي بشقيه اللغوي والأدبي وفي مراحل تعليمية مختلفة، أصبحت في الآونة الأخيرة أدعو إلى أسلمة أو اقلمة البحوث اللغوية والأدبية في جامعاتنا خارج الوطن العربي.

أقصد بالمصطلح الأول (الأسلمة) أن نسخر بحوثنا اللغوية والأدبية لخدمة العلوم الشرعية من التفسير والحديث وغيرهما، وذلك استجابة للجواب الذي تعودنا أن نجيب به كل من يسألنا عن الهدف الذي من أجله نتعلم العربية وآدابها. وما أكثر الموضوعات الصالحة لخدمة العلوم الشرعية في كل من تخصص اللغويات والأدبيات، فنكون بذلك مخلصين في تلكم العبارة المرددة على ألسنتنا دائما بشأن الهدف من تعلم العربية، ولا اخالني مبالغا إذا ذكرت أن العلوم الشرعية بفروعها المختلفة لا تزال بحاجة إلى دعم البحوث اللغوية والادبية، طبعا هذا الكلام صحيح عند من لا يؤمنون بانقفال باب الاجتهاد.

 أما المصطلح الثاني (الأقلمة) فاقصد به إخضاع بحوثنا اللغوية والأدبية لخدمة قضايانا الإقليمية والمحلية، بحيث لا نضيق الواسع على دارسي اللغة العربية وآدابها بقصر بحوثهم على خدمة العلوم الشرعية فقط، فنسمح لهم بتسخير التخصص اللغوي أو الأدبي لخدمة القضايا الإقليمية والوطنية.

قد يبادر واحد بالقول إن الجامعات النيجيرية قد قطعت شوطا بعيدا في مضمار اقلمة البحوث اللغوية والادبية، حيث كانت ولا تزال تشجع الطلبة على البحث في إنتاجات العلماء المحليين. وبغض النظر عن مبالغة بعض الأقسام في هذا التوجه، بحيث أصبح الهم الوحيد هو دراسة الإنتاجات المحلية بغثها وسمينها،  بغض النظر عن هذه التجاوزات فإن من الإنصاف الإقرار بأن الأقسام العربية في الجامعات النيجيرية وبعض الجامعات الإقليمية في النيجر ومالي وتشاد قطعت شوطا بعيدا في هذا الاتجاه بالفعل، إلا أن الأقلمة المعنية في هذا المنشور تتجاوز إطار الإنتاجات المحلية باللغة العربية؛ لأن طابع تقليد الأدب العربي القديم والحديث هو الغالب على هذه الإنتاجات المحلية بالعربية أكثر من الطابع المحلي، وإذا فرضنا جدلا انها تحمل الطابع المحلي،  فأرى أن الأفضل هو الخروج من عنق زجاجة الإنتاجات باللغة العربية والانطلاق إلى آفاق الإنتاجات المحلية باللغات المحلية والإنجليزية والفرنسية. فاقترح على من يرى عدم وقف بحوثه اللغوية أو الأدبية لخدمة العلوم الشرعية أن ينحو نحو الأدب المقارن مثلا فيقارن ما تعلمه في الأدب العربي بالأدب المحلي بغير العربية مثلا، فيكون بذلك مثل نظيره المتخصص في الأدب باللغة الإنجليزية والفرق يكون في لغة التعلم فقط، وصاحبنا في اللغويات لينح منحی الدراسات التقابلية بين العربية ولغته المحلية فلا يختلف بذلك عن نظيره في قسم linguistics بالإنجليزية إلا في لغة الدراسة.

أما عندما يقف الافريقي بحوثه الأدبية لدراسة إنتاجات العرب فكاني به يتناسى الهدف الذي من أجله تعلم لغة العرب، وينسى انه إفريقي وسيبقى أفريقيا رغم أنفه والعرب في غنى عن خدمته لأدبهم، بل هم بحاجة إلى أن يشرح لهم أدبه الأفريقي الأصيل بلغتهم لكي يقدروه تقديرهم لمن يعلمهم ما لا يعلمون، والأمر نفسه بالنسبة إلى المتخصص في اللغويات وكل بحوثه اللغوية عن اللغة العربية، والحقيقة المرة هي أن العرب لن يقدروا جهده وليسوا بحاجة إليه ليدرس لغتهم، بل عليه أن يدرس لغته المحلية ويطلع العرب على حقيقتها. وإذا رأينا استحالة إجراء البحوث في لغاتنا وفي آدابنا المحلية باللغة العربية، فلعل الحل سيكون في العودة إلى حظيرة العلوم الشرعية التي هي الحافزة الأولى وراء تعلمنا للعربية وآدابها. وأرى أن مما يسهل علينا الوصول إلى مرحلة اقلمة البحوث اللغوية والأدبية في اقسامنا الأدبية استحداث مقرر باسم اللسانيات الأفريقية والآخر باسم الأدب الأفريقي بغير اللغة العربية، حيث نطلع طلابنا بالعربية على حقائق لغاتنا المحلية وآدابنا القومية، وإلا فالأدباء العرب من نجيب محفوظ ونجيب الكيلاني وأحمد شوقي وإيليا أبو ماضي وغيرهم في غنى عن بحوثنا التي لا يحتاجها العرب ولا يحتاجها بنو جلدتنا.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :