نساء مهاجرات

نساء مهاجرات

  • آسيا سعيد

في دولنا النامية إن لم يتم تعزيز دور المرأة فإن ذلك سيتسبب في الانهيار وانعدام النهضة والتنمية، فالمرأة هي أساس المجتمع، وهي جوهر الحياة وكيف لا تكون كذلك وهي التي تَهبُ الحياة من رحمها. وعندما لا تجد المرأة سُبل الحياة الكريمة فإن الخِيار الوحيد هو الهجرة.

والهجرة هي الانتقال من مكان إلى مكان لأسباب عديدة، أمنية كانت أو اقتصادية. عندما تهاجر المرأة فإن ذلك بسبب ما تتعرض له من عنف أو قمع واضطهاد أو مشاكل اقتصادية، بحثا عن بيئة توفر لها حقها في المساواة والحرية والعدالة. شاءت الأقدار أن ألتقي بثلاث نساء مهاجرات غيرن نظرتي عن الهجرة وذلك للأسباب التي دفعتهن إلى اتخاذ هذا القرار الصعب وما يترتب عليه من تحديات.

بدءًا بالسيدة (ع) دون ذكر الأسماء وهي امرأة ليبية خريجة كلية القانون، أم مطلقة كانت تعمل في السلك الدبلوماسي وقد تعرضت للإهانة والعنف من قبل الشرطة في المنفذ الحدودي رأس اجدير أمام ابنتها الصغيرة وذلك بسبب رفضها منعهم لها من السفر لكونها امرأة دون مرافق عندها حاولت الدفاع عن نفسها في الوقت الذي أرادوا أخذ جواز سفرها الدبلوماسي بالقوة و لكن دون جدوى.

وبعدما تعرضت له من عنف جسدي ولفظي تمت إحالتها إلى الحجز في طرابلس علما أنه لم يتم إعلامها بسبب الاعتقال والإيقاف وتم إخلاء سبيلها بعد أيام، وبقيت أكثر من أسبوع وهي تحاول استرجاع جواز سفرها الدبلوماسي الذي سحب منها على الحدود بين وزارة الداخلية و الخارجية ولليوم لم تتمكن من استرجاعه إضافة إلى إيقافها عن العمل والذي تعتمد على دخله المادي لإعالة نفسها وابنتها مما لم يترك لها خِيارا آخر غير الرحيل وتقديم طلب للحماية الدولية. ولا تزال تعاني من أثر الصدمة لما تعرضت له.

ومن ليبيا ننتقل إلى الكاميرون البلد الذي أنهكته الحروب الأهلية بين الفرنكوفونيين والناطقين باللغة الإنجليزية وارتفاع مؤشر الجريمة. كاثرين مهاجرة مسيحية وصلت إلى ليبيا عن طريق شبكة من المهربين وتجار البشر.

وقد تعرضت أثناء رحلتها إلى اعتداء جنسي من قبل أحد المهاجرين الذين اجتمعت بهم في مراكز الاحتجاز وعندما ذهبت لتقديم شكوى ضد من اعتدى عليها لم تحصل على ترجمة إلى اللغة الفرنسية التي كانت تفهمها ولم تلق أي اهتمام وقد طلب منها الانصراف بلا رجعة.

وبعد أن فقدت الأمل في الوصول إلى العدالة قررت مواصلة رحلتها إلى تونس بحمل غير مرغوب فيه نتيجة للاغتصاب. وبعد أن حصلت على المتابعة والرعاية الصحية تمكنت من إنجاب توأم بصحة جيدة. عندما كانت تحكي لنا قصتها كانت عينيها تذرف بالدموع ولكن سرعان ما مسحت دموعها ونظرت إلى طفليها البريئين ولسان حالها يقول أنا مستعدة لمواجهة المزيد من التحديات لكي يعيشا حياة لا ينقصهما فيها شيءٌ.

ونعود إلى ليبيا وهذه المرة مع امرأة تعتبر أسباب هجرتها نادرة وشاذة لأنها لا جنسية أجبرت على الزواج مع أنها حاولت أكثر من مرة أن تخبر أهلها أنها ليس لديها أي ميول جنسي بتاتا وعرضت أفلاما وثائقية عن أفراد يشبهونها رجالا ونساء، ولكن لم يقتنعوا وأرغموها على الزواج. وبذلك انتهكوا حقها بناء على ما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومنهاج عمل بيجين الفقرة 95 “لكل شخص الحق في الالتزام أو عدم الالتزام بحرية بالزواج دون تمييز. لكل شخص الحق في اختيار إنجاب أو عدم إنجاب الأطفال، وفي تحديد حالته الزوجية في أي وقت شاء” و تُعرف اللاجنسية بأنها عدم وجود انجذاب جنسي أو ميول نحو أي من الجنسين.

و غياب الرغبة في النشاط الجنسي.

و لا يعود هذا الغياب إلى أسباب ثقافية أو دينية أو غيره. وللأسف كثيرا ما يتعرض هذا النوع من البشر للتمييز. و بعد أشهر من المعاناة مع زوجها لجأ إلى العنف و الاعتداء عليها بالاتصال الجنسي دون رغبتها و بعد أن مرضت سافرت معه إلى مصر للعلاج واستطاعت الهرب منه دون رجعة . و بعد حصولها على صفة اللجوء تمت إعادة توطينها في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق مكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس حيث كُتبت لها حياة جديدة, حرةً طليقة.

لا أحد يختار أن يكون مهاجرا إنما الظروف تدفعه للهجرة أو الرحيل. لا أعتقد أن هناك امرأة تختار أن ترحل عن أهلها وموطن ذكرياتها حيث ترعرعت و عاشت طفولتها دون سبب يهدد حياتها أو حريتها.

أدعو السلطات المحلية والمجتمع الدولي إلى سن قوانين تحمي النساء و توفر للمهاجرات منهن, الحماية والمساعدة. فكما للمهاجرة الليبية حق في الحماية والمساعدة في أي دولة تلجأ إليها فإن للمهاجرة الكاميرونية أيضا الحق في ذلك, في ليبيا.

كما يجب وضع حد لأزمة الهجرة و تحليل أصل أسبابها وكما يقال ” من أراد الوصُول فعليه بالأصُول”. لكي نصل إلى جذور أزمة الهجرة فعلينا البحث عن أصولها.

البطالة والفقر, الانفلات الأمني والفوضى كل هذا يعود إلى فساد الحكومات والجهل والتخلف. و عندما ننظر إلى أوضاع المرأة في الدول المتقدمة نجد أنها تتمتع بالمساواة و العدل و الحرية و هذا سر تقدم تلك الأمم. و بالتالي يستحيل رؤية هجرة النساء من تلك الدول. فبربكم كيف نتوقع نتيجة مُختلفة و نحن نُكرر نفس الخطأ؟.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :