نص بينهما لا يلتقيان (الجزء الثاني)

نص بينهما لا يلتقيان (الجزء الثاني)

محمد بويش

الكاتب: يفتح صفحات الرواية يعدل هندامه على الطاولة ثم يتكلم:

عبد الله… فنان… يحب أن يتكلم…

 أن يفجر كبت السنين في أعماقه…

 يحب أن يقول…

 الفنان:

وما يقول…

 الكاتب: يعيد التحرر من غطرسته ليثير منابيع الأوامر من أنفاسه

 يقول الحق…

 يحرر العالم من قبضة الجوع الأبدية…

 يقتل الطمع في القلوب الخبيثة…

 وينشر السلام في كل جهة…

 الفنان فصل ماطر لمعنى الخير…

 محتم عليه ليرحل…

 ليقطع بحور الألم فقط لينير الحقيقة…

 أنت بدأت ولا بد أن تفهم…

الفنان: يصفق

 لم أفهم شيء…

 أنت من يقول هذا…

 و نحن نرسم بأوجاعنا عرجونا للبقاء وتمرة للعيش…

 الكاتب:

لا بد أن تجرب معنى الخطاب…

 أن تستوعب المعنى في جلباب النص…

 أن تتعرى من بهتك لتقول عكس ما نقول…

 الفنان:

ربحت الفراغ من نصوصك…

واقتفيت آثار دالية يابسة…

تنبت في نهاية الأمر دون ماء…

الكاتب:

مشكاة في رهبة السؤال أنت…

 لهذا لا بد أن تقول…

 الفنان:

 و ما أقول…

 حروفك مقصلة…

 تعبت من لغتي.. من لساني.. من الحق الذي تراه ولا أراه…

 الكاتب يصفعه بكل قوة… ليخترق السؤال المهيمن فيه.. لا يراه في ملامح الليلة الباقية.. إلا نهاية محتومة تأتي بسرعة البرق لتخدم الرواية وتنتظر فيه شهوة المهمش القادر على كبح حركات شخصياته….

يخاطبه:

أنا من يكتب الحق ولست أنت…

 أنا المنتصر القادم على خلقك…

وأنت المأمور لتقول ما أريده منك…

 الفنان: يعود بخطواته إلى الوراء…

 يستنزف صراخه ومهب الحروف التي تحاول وخيانته…

 تعبت من كل كلمة أقولها الآن…

 مسجون أنا بشهقة الروح…

 أنادي لوحدي..

 أحمل حنجرتي إلى سدرة الريح…

 أوقفوا عنا ظلمكم…

 أوقفوا سفن الحريق التي تحملنا إلى ماء شبيه بدمنا…

 ننطفئ نحن وتبقى البحار مشتعلة…

لتحرق القادمين…

 الكاتب: بهدوء

 نعرف هذه الأشياء أكثر منك…

 الفنان:

 لكن هو السكوت في أفواه القلم وذل الحروف…

 من شرق النص أنت مأمور…

 ومن غرب النص أنت مأمور…

 وفي نهاية النص أنت مأمور…

 الكاتب: يعود أدراجه إلى الطاولة يعرف أن هذه الليلة الماطرة خارجا لن تمطر بنهاية يرضاها في الغرفة…

يخاطب نفسه…

شخصية مجنونة.. كتبتها لأرسم معنى الرضوخ ولكن…

 يخاطبه:

 انهض الآن…

 لا بد أن ننتهي… هروبك هذا عكس خريطتي يؤدي بك إلى الضياع…

 الفنان:

 لست هاربا…

 أنا أقاوم لذتك…

 اخترع في نصك شخصية أخرى وإلا حاول أن تكتب رواية جديدة…

نهاية روايتك لا تساعد وجودي…

 الكاتب:

 أنت بلا وعي…

 ولا مبدأ…

 هل تعرف لو أني غيرت نهاية النص كما تقول..

 أصبح مثلك….. يضحك….

لكن استطيع أن أساعدك وهذه خدمة مني…

 الفنان:

 وكيف تساعدوني وأنت تريد موتي….

 الكاتب:

 سنلعب معا…

 الفنان:

 سبحان الله… من الموت إلى اللعب…

 الكاتب:

 أنت لم تفهمني…

 لا تكن أحمقا فأنت تحمل كل هموم نصي..

 أريدك أن تلعب على موتك أو حياتك…

 لا بد من تجدد الفصول في الطبيعة دوما…

الفنان: باستغراب

 لم أفهم…

 الكاتب يضع أمامه لعبة شطرنج…. تجربة في مزاد الموت…

 هكذا يفكر هو في استدراجه إلى الضعف..

 يكلمه:

 العب… العب معي…

 اللعبة أمامك وأنت متورط في اللعبة…

الفنان:

 لن ألعب…

 لا أعرف هذه اللعبة…

 الكاتب:

 لا يهم…

 المهم هو أن نلعب وأحس بك…

أنت تقرر عدم اللعب إذن

دعني أعيد ترتيب وجهك من جديد لأحاول رسم مرآة لا تراك

الفنان:

اغتصاب الوجه ساعة الحقيقة …

سلطة زائفة في ضوء المرآة…

 الكاتب : (يضع أمامه مرآة كبيرة)

تقدم لتراك المرآة …

الوقت يزاحم الفراغ الذي أنت فيه….

الفنان :

قبيح هذا الوجه الذي أراه…

الكاتب :

انه وجهك …

 أنت تكتشف نفسك الآن…

الفنان :        

أراني أعصر خمرا …

ورأسي تحتضنه امرأة كانت في النص …

الكاتب :

هل تخدعني؟؟؟

الفنان :

المرآة من تخدعك ..

أنا أراها الآن و أنت ترسم جدارا بيني و بينها …

أرى سيوفا و دخانا وأحصنة تجري في المتاهة …

الكاتب :

هذيان رجل ينتهي على وسادة ليلة أريدها لي …

الفنان :

أعدني إلى نصف الرواية …… علي أن اسمع لك

الكاتب :

الوقت لا يكفي والمداد يقدر انتحارك فقط…

الفنان :

اجمعني معها مرة أخرى لأسوق إليك النهاية كما تشتهي…

الكاتب  يفكر يعيد الأوراق في الرواية إلى المنتصف

الكاتب :

هل تسمعني الآن…

حدق جيدا في المرآة…

* تخرج من منفى النص امرأة كان الكاتب رسمها حبيبة للفنان ثم أقام جدارا بينهما …يقبض حتى الشعور في لحظة التجلي و يمنع الحب.

الفنان:  يصرخ :

أي عالم يمنع الحب

أية سلطة لك لتقيم الجدار

الكاتب :

سلطة القلم و ما يسطر مني على البياض

تراها فقط لتحس بوجودك في لحظة تراكم الذاكرة…

وتعيد لي سمو النص وسلطتي الأبدية…

يكلم المرآة :

تعالي مجدلية نصي…

تعالي إلى أروقة النص…

لأزرعك من جديد في الرواية…

جري إليك جسد الوقت واحتمي….

بصفحتي الأخيرة … حبيبك يأبى الرضوخ..

المجدلية : (صارخة)

لا..لا.. لست ريشة تلتقف جرك أو تعاقر أوراق روايتك الشاحبة

الفنان : (يصفق)

المجدلية :

أنا احترقت في روايتك…

متخطية بلون الخوف…

فلا تجعلني أعود إليك…

الفنان :

عادت المجدلية من نصف روايتك رغم جدارك…

(إلى المجدلية)

تعالي وردفي … لا تورقي خارجي ولا تمكثي بعيدا…

فأنا الغريق المرافق لأبجدية القرصان…

اخرجي الآن من النص ..

وتمردي على سلطة المقصلة….

المجدلية :

آه .. خائفة أنا ..

ملغم هذا الجدار

و أنا أناديك من عمق الرواية … اسحبيني إليك ..

يتململ الكاتب في مكانه .. تشده لحظة التمرد يستصرخ النص بدواخله

الكاتب :

جسد اللغة يهتز ..

و حروقي تتصبب عرقا ..

هل أكسر المرآة لأحذفك من قلبه ..

أيتها الحمقاء.. عودي إلى الرواية ولا تعاندي قلمي وسطري الأخير ..

الفنان :

لا..لا تسمعي إليه…

هزي جذع حبك لي…

و لا تمكثي بعيدا…

المجدلية :

أيها المتمرد الثائر …

أخرج من سطوة الرواية…

فحبنا لن يورق من خلف الجدار….

الفنان :

كوني بقربي …

دعيني ألثم قارعة النص لأناديك بعمقي ..

تداركني حرف القرصان في نهاية النص و يريد انتظاري …

المجدلية  :

قاوم حدود ريشته المسمومة…

فأنا دوما أكرر رسم وجهك لحظة اختفاء الهمس فيك…

الفنان :

أنا الليلة أتحداه .. وأتحدى هذا الجدار…

الكاتب يعاود الصراخ من جديد :

من أنت …

من أنت لتعاندني ميلاد النص في نهاية الرواية …

من أنت .. لترفض حلمي الأخير …

المجدلية :

أنا من ينتحب أمام بوابة وطن يغرقني خلف الجدار …

لا أريد أن أغفو ساعة غروب لتظلم فيه الدنيا بقلمك …

الفنان :

هكذا يغادرني الصمت .. لأصرخ في وجه الجلاء..

(يخاطب الكاتب)

أنت جبان و فاشل و قاتل .. تمنع الحب .. و تقيم ولائم الانتصار على جثتي ..

الليل فيك قمر ممتد على وجع المسافات …

و الصمت فيك درجة العويل قاتل أنت…

تمارس إرهابك بسطوة القلم..

وأمارس حريتي بسطوة الحب ..

المجدلية :

لا تعاقر نصه .. فأنا  أحجمت عن الصمت لأجلك…

الكاتب : (مزمجرا)

هكذا إذن … أعدتك إلى المنتصف لتثير التمرد فيها…

أرى أنه لا بد أن اعتلي النهاية الآن ولا بد من موتكما خلف الجدار

المجدلية: (إلى الفنان)

أيها الخارج من النهاية …

القناص ما زال يحاصر النص فينا…

دعني أحرق حمل هذه المسافات لأنشر رماد النص خارج مقصلة  الجدار…

لا بد من لقاء يعيدنا لبداية الصراخ…

لا بد أن نتحرر من هذا الحب الزائف…

الكاتب :

انشر عصافير الروح الهاربة من الرواية…

الفنان :

لست الإله الذي نقدسه…

الكاتب :

خلقتكم (يضحك)

وأنا من زرع الحب فيكما…

و أقمت الجدار لتتعذبا أكثر ..

المجدلية:  (تتقدم إلى الفنان)

الزمن ساعة مهمشة و هذا الجدار … دعني ألقاك ..

الكاتب:

لا… لن أعيد ترتيب النص الآن ..

لكما الهروب مني …

و لي ساعة السجان…

لن احتمل صراخ الحبر في مقام الجدار..

أريدكما الآن …

أريدكما الآن …

الفنان :

لن ننتمي لقبو روايتك… وأنا هنا متحرر من حبر الجدار..

لن أعود إليك مكبلا بنهايتي..

لن أعود …

لن أعود …

المجدلية :

أيها السجان لن تشطرنا في متاهة نصك…

أو تعيد رسم أيامنا على الورق..

جسدينا كوكبان متلاطمان…

والسماء في نصك ساعة انفجار…

الفنان :

هو حبرك يشتهي رسم الجدار…

وأوطانا بلا حب وخرائط من سجون…

الكاتب :

أحمق من يتبع جنونكما…

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :