نظرتي

نظرتي

  • أ / سالم ابوخزام

اطلعت على تجربة (حمزة) من مدينة سرت الليبية ، حيث قرر ركوب الخطر والسفر إلى خارج الوطن عبر موجات الهجرة غير القانونية . .. بالطبع ركب البحر وقوارب الموت صحبة عائلته بالكامل الزوجة والأبناء وعددهم ثلاثة . حمزة وأسرته برعايته ، ركبوا قاربا من مدينة زوارة الليبية ، بعد أن سدد فاتورة بلغت ثلاثة آلاف يورو . القارب حمل ثلاثمائة مسافر عبر رحلة العذاب المتوسطية ، ولا يجنح خيالكم بعيدا فأقل ما يقال إنهم تلقوا معاملة سيئة أشبه بالحيوانات التعيسة . .. الواقع أن (حمزة) تحدث عبر قناة تلفزيونية صوتا وصورة ، وبدأ يسرد بشيء من التفصيل في تجربته ذات الطابع المر . من المؤكد أنه قضى بالبحر أكثر من ليلة، وكل ليلة شاهد فيها وأطفاله الثلاثة رعبا أسودا بكل معانيه ، ظلمات البحر وأمواجه المتلاطمة وصوت الماء الهادر والغاضب رفقة الموت غرقا في كل لحظة . تصوروا حاجته كما حكى للأكل والشراب وإطعام الزوجة الرفيقة والأبناء وسط حشد من الأفارقة ذكورا وإناثا ، وكل يندب حظه الذي اقتاده . .. قد تذهب وتمر هذه اللحظات التعيسة ،لكنها تنحت في الأذهان تماما حين يتطلب الأمر قضاء حاجته في عرض البحر وإن اختار الظلام وسط هذا العدد الهائل من رفاق الطريق !! الصراخ يستمر ويعلو ويزداد لكن قيادة السفينة لاتأبه بهم ، فكل مايفكر به الربان هو إفراغ شحنته فيزداد ضرب عباب البحر لعله يستجيب لتجارة رائجة ليس للحياة فيها أي معنى ، يسقط من يسقط أو يتعلق بطرف القارب أو ليغطس إن شاء فالأسماك في الانتظار كما الأقدار نفسها . فقيادة القارب السفينة ماضية للأمام دون رحمة أو انتظار لأحد ، دونما استماع لشكوى أو أنين مريض كما روى !! في وسط عالم مجهول لايهم مع من تتحدث أو ماذا تطلب ، أو بأية لغة ولسان تتكلم فكل ذلك لايعني أكثر من أن يرمقك بنظرة بائسة بطرف عين متسارعة وسط أنماط تتسم ببطء يومها المجهول في أقل تقدير . .. القارب المطاطي يشق البحر الأبيض المتوسط صوته يزمجر عاليا ،يسير بغير هدي أو دليل ويواصل الليل بالنهار ، والخطر المحدق قد يداهمك في أية لحظة وأنت لا تدري لماذا ؟ وماذا تفعل إن حدث مالا يحمد عقباه ؟؟ !! تفكّر في نفسك وأطفالك وزوجتك وأشياءك القليلة التي تحمل في ثنايا الجيوب . ..في عرض البحر تلاقي السفن التجارية العملاقة والمتوسطة ، وتلاقي اليخوت السياحية الباذخة الجمال ، بأضوائها المتوهجة وأحيانا بأبواقها المحببة ، كما أنك تلاقي قوارب الصيد الكبيرة الضخمة والقليلة الحجم ، فإذا غرق القارب قد يهبوا إلى نجدتك وقد يتركونك فالمسألة لا تتعدى كونها الحظ والحياة ومصادفاتها وكل هذه الأشياء تبقى واردة لأن الفاصل بين الموت والحياة لحظة فارقة فقط لاغير . ..بُعيْد هذه المعاناة أشرقت الشمس من جديد ووصل حمزة وأسرته والجموع المختلطة إلى بر الأمان . الشرطة الإيطالية ، وسواحل إيطاليا والسياط الطليانية إن لزم الأمر !! يدور بذهن حمزة للحظات عابرة سريعة، الهول الإيطالي فلا يلبث أن قرأ المعوذتين ، فستر الله ونجا من كل ذلك . نزلوا بأطواق النجاة عاموا وسبحوا لمسافات قليلة لحسن الحظ لا أكثر ، اقتادتهم الشرطة الإيطالية وخفر السواحل إلى نقاط التجميع بعد أن استلمتهم وعدّتهم واحدا واحدا . ..حيث تصل يقول حمزة ، تتنفس الصعداء ويبدأ عالم جديد بالنسبة لك . إن أول ماتفقده (الأذان) وسماحة الإسلام والوطن وكل الطقوس التي جعلت بلادنا من أروع البلدان. ..أنت بلا أية شهادات وبلا مستقبل وبلا مأوى وبلا وطن . .. عليك أن تبدأ أي عمل فالمهم لقمة العيش ولكنها بغير كرامة ، بل لأنزع عنها إنها بإذلال ولكن ربما إلى حين فكما قلت لكم إنها الأقدار فقط . يدلف حمزة إلى عيش جديد وحياة جديدة فيها كل البؤس والمعاناة ، الزوجة والأبناء أثقال قاسية وأمر مروع لكنه حتمي . عليك أن تعمل وبأية أثمان وأن تستجيب لكل ماهو صعب . غسل الأواني لمن كان محظوظا ، ويكفي فلن أصور أكثر كما سرد (حمزة) !! ..حمزة وصل قاسى لكنه عاش وتنفس وتناسى رحلة مريرة لكنه أضاف ، حريتي مصادرة ، وبلادي صادرتني ، لأحيا هنا جبرا وغصبا ولم أكُ أدري !! ..غيري كُثُر جاؤوا ونزحوا بأعداد مهولة وتغربنا وتهنا في بداية ليست لها نهاية . غيرنا ينهب ويسرق الملايين وأصبح يمتلك البيوت الباذخة واليخوت المرفلة والسيارات الفارهة ويأكل (الكافيار) في أرقى الفنادق والمطاعم ويتمخطر في طرقات البيكاديلي وبروكسل ومدريد ومقاهي إمارة موناكو . أو يصطاف في شرم الشيخ ويقضى لياليه في شوارع الإليزيه الفسيحة . نهب لكنه مشروع ، عمارات وبنى توقفت وطرقات ومنتجعات ليحل محلها الخراب والدمار والهوان . أجيال مطلوب منها أن تسدد الفواتير عذابا وشقاءً وحرمانا وهوانا ولعلي واحد منها . أجيال بين قتيل اخترنا له مسمى شهيد ، أو جريح أو فاقد لساقيه ، أو قعيد إلى النهاية . …دمار لبلادي نيران وأدخنة لتضربنا الفوضى العارمة فمن ياترى يعطينا اليوم صكوك الغفران . .. أقول لعلي اليوم أدفع دمي وحياتي مناديا ، لاتتركوا بلادكم فليس أمامكم إلا التصالح والسلام والعودة لبناء ليبيا مجددا فليس ثمة غيرها طريق . .. لاهجرة ولا حرب واقتتال ، ولا حلول أمامنا غير بلادنا ونحن فيها ! أ.سالم أبوخزام .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :