- أرياف التميمي
هذه الفتاة التي أمامي، تجلس دائماً هكذا، بهدوءٍ مطبق، تستمع جيّداً دون أن تظهر التعابير على وجهها، دون أن تتحرّك كثيراً، لا تلبس ألواناً فاقعة، ولا تُسرّح شعرها بطريقة لافتة.
وأنت حين تنظر إليها وهي جالسة بكل ذلك الهدوء، تستمع بهدوء، ترمش بهدوء، تتنفّس بهدوء، تنسحب باتجاهها دون قرار، ولابد أن يحدث لك ذلك في كلّ مرّة تتواجد في مكان هي فيه، تكون في أقرب نقطة منها، وعندما توشك على الارتطام بها تنسحب حرجاً، ولا تقطع أكثر من ثلاث خطوات حتى تجد نفسك قد أوشكت مجدداً على الارتطام بها.
إنّها سلمي، ومن مثل سلمى، لم تكن هذه المرأة كأي امرأة قابلتها في حياتي، سلمى امرأة لا تُنسي، لن أُسهب كثيراً إذا تحدّثت عن جمالها، فبحسب معايير الجمال، هُناك كثيرات يفقنها، أراهنّ في كل مكان، في الشارع، في السوق، في مكان العمل، على الشاشات…
لا تسعى سلمى للفت النظر، لكنّ كل ما فيها يلفت النظر والسمع والروح والفؤاد.
في سلمى شيءٌ ما مختلف، شيء يجعلك تُطيل النظر إليها، تنتقل وأنت أمامها إلى عالم موازي تتمنى لو تمكث فيه الى الأبد، وإذا سألت نفسك عن الشيء الذي في وجهها والذي يجعلك منفصل هكذا لا تجد السبب، فتعود للغرق فيها مجدداً باحثاً عن جواب يتوه معك في عالمك الآخر.
في وجه سلمى شيء لا تستلذه العين فقط، وإنّما يذوب في القلب، ويُضخ مع الدماء ليرفع هرمون يفوق السعادة، هرمون يجعلك ترفع راية الاستسلام.
على عكس الجمال، سلمى فائقة الذكاء، لكم شككت أنّ ذكاءها هو ما يرسم على وجهها تلك الملامح التي تشدني إليها، ملامح لا تكفي العين المجرّدة لرؤيتها بل تحتاج إلى القلب المجرّد.
إنّ اهتمام سلمى بجمال عقلها يفوق بكثير اهتمامها بجمال شكلها، تتفرّد بكلام وأفكار من غير الممكن ايجادها في أي مكان آخر، لها مصطلحاتها الخاصة، وأسئلتها الخاصة، وتعريفاتها الخاصة.
سلمى كالحُلم الجميل الذي تتمنى إحضاره إلى الحياة، تتمنى لو تستطيع جعله يستمر إلى ما لا نهاية، أو تنتقل إليه لتصبح جزءاً من حلم اسمه سلمى.
الفتاة الوحيدة التي كُنت واثقاً تماماً بأنّي أُريدها، وبأنّ حياتي ستكون سعيدة معها، وبأنني لن أشبع منها، ولن أفكّر في كسرها، وبأنّي سأتغيّر معها، وسأغيّر، وستخرج منّي أفضل نسخة، وسأكون منبعاً للخير والوفرة والحب، وسأكون الجانب المشرق في حياة من حولي، والنموذج الأمثل لكل من يعرفني، والهدّف الأوّل لكل الحسّاد الذين لن يصيبني حسدهم، سأصبح شخصاً آخراً يحلم الجميع أن يكونه، كلّ ذلك سأكونه إذا ملكت سلمى.
لكنني لم أُصبح ذلك الشخص، ورغم كل ذلك القرب لم ارتطم بسلمى.
لكم تساءلت كيف سيكون شعورها لو أنّ هُناك باباً فُتح لها ورأت خلفه كُميّة الحُب الذي أُكنّه لها، لو ذُكر أمامها عدد الساعات التي مضت من عُمري وأنا أُفكّر بها، وشدّة الألم الذي يجتاحني كلما تذكّرت أنها ليست لي، وعدد السيناريوهات التي تخيّلتها للقائنا الأوّل الذي لن يتحقق، وعدد الأشخاص اللذين أوشكت على تشبيههم بها، وكمية الدموع التي درفتها على حُب لم يكتمل، والسنين التي قضيتها وأنا نادم على ذنب لم أقترفه، على فشل لم استطع تحديد نوعه أو حقيقة وجوده، عدد المشاعر الجديدة التي نبتت في قلبي منذ عرفتها، وكم أنني بدونها تائه، ضائع، وحيداً، في غير موضع حسد، ولستُ نموذجاً سوى في ألم الفراق، ولا جانباً مشرقاً ولا منبعاً، ولا خيراً ولا وفرة، ولا أيُّ شيء يستحق أن يُشار إليه.
لو اطّلعت على كلّ ذلك سلمى، هل كانت ستشفق على هذا القلب العجوز الذي أحمله بين ضلوعي! هل سيعني لها كل هذا الحُب شيء!
لكم تساءلت: هل تجد سلمى في حياتها شيء من الحب يجعلها مكتفية به، هل يتم التعامل معها بالطريقة التي أرى أنا أنّها تستحقها؟ هل في حياتها من يجرؤ على إغضابها، وأذيتها وكسر قلبها، هل تلقى حاجتها من الاهتمام، هل معها من يستمع إليها ويحن عليها ويحتضنها كلما بكت.
أيعقل أن تكون فاقدة لكل تلك الأشياء، أيعقل أنّ كل هذا الحُب الذي أكنه لها، وكل هذه الرغبة في الاهتمام بها واحتواءها تذهب سدىً، وهي في أمس الحاجة إليها، أيعقل أنّ حبّي لها يُهدر وهي تبات لياليها خاوية من الحُب.
هل تعلم سلمى أساساً وجودي في الحياة.
هل سلمى التي أراها في خيالي وأحلامي وقلبي مطابقة لسلمى الموجودة على أرض الواقع.
لماذا كل هذا الحُب موجود إذا لم يكن بالإمكان إيصاله إلى المحبوب؟ لماذا؟ لماذا يا سلمى؟