بقلم :: عبد السلام الخمسي
امْرأة معجونة بعنْجهيةِ طاغية، لا تتوقف عن عضِّ ثغرها، يطيحُ بها فنجان قهوةٍ مُرّه، وتُجْمِحُها قصيدة مُعرْبدة، تُهْدرُ عمرها في مدائنِ السُكّر، وتنْتحرُ على فُحولةِ كهل، أنا كهلٌ، محْضُ انصافٍ، فمن يا تُراهُ يُنْصفني ؟ أديرُ ظهري للريحِ، وأشْرعُ في الكتابةِ حدَّ الغوص، لا توقفني العواصفُ، ولا تهزمني تلويحات الوداع، عند آخِر الليل، عليكِ أن تلْتقطي ما تبعثر من نِكاتي البديئة، وتُقشّري من لحائها الحكمة، وتنصاعي لإيماءاتِ الرضوخ، دون منٍّ وغرور، يملأوني التوجّس، كنرْدٍ نزِقْ، على طاولةِ ليْلٍ ضئيل، يُفْزِعُني خوف قديم، كقالبِ ثلْجٍ لا يستقر بكفِّ امْرأةٍ محْشُوّةٍ بلعْنةِ التربّصْ، لا تخذلها قصيدة، ولا تُرْبِكها التفاتة معرْبدة، متى ينْهارُ ذاكَ الحائط المُجعّد المدى ؟ لأرتّق ثقوب الفقد العاتي، ولتهرب إليكِ ظِلالي الممدودة، كي تهوي سحابة الحلم المُنْكسر، إلى قاعِ روحي، وتُشْرق شمسُكِ خلف نوافذ ارْتيابي، ليصْدح نايُ المساء البرتقالي، بموّالِ السراب الفضّي، كنوْرسٍ شاردٍ في رحاب السماء، وأصْطلي في شرانقِ الخُواء، كزفْرةٍ تنسلُّ من فمِ الرماد، أنتِ يا ذا، عيْنيكِ سُنْبُلتان ثائرتان، من قمْحٍ ناضج الحنطة، تِلْكُما روح الدهشة، كبقْعةِ ضوءٍ على رُكْحِ الريح الراقصة، كأنّما أغنيةٍ ريفيةٍ حافية، على رصيفٍ سَاهٍ، كنافذتينِ تُطلاّن على وطنٍ لا يعْرفُ الانطفاء، هاكِ قصيدتي، على جناحِ لهفتي، تغْفو على كتفِ شوقي كأمنيةٍ عذراء، حُلُمٍ آثمٍ ينْسكبُ بشراهةٍ، يصفّفُ ذاكَ الخُواء بداخلي، يُجفّفُ النحيب على حبْلِ غيابكِ المديد، ريقُ المساء، يلثُمُ شَفَة البن، ذات نكْهةٍ مُشْتهاة، على حافّةِ قصيدةٍ بليغة، أنتِ وقريحتي توْأمان، تحديقٌ بأخْيلةِ المذاقات الشّرِهة، كأمْزجةٍ متوحّدة الأنس، قصيدتي ليست آثمة، وأنتِ لسْتِ شجرة زقوم، بل أنتِ يا امْرأتي كأنّكِ أمْنية عذراء بتول، الظنون هي الآثمة، سأظلُّ أتمادى فيكِ، يا روحي المُبلّلة، تُراودني مشاعر مبْحوحةٍ كثيفة، وريح شمالية، تصْفقُ نوافذي بشدّة، صُراخٌ بداخلي يهتفُ بكِ، وبأنينُكِ، وعصْفور هرِمْ، ينْقرُ على بلّلورِ خُلْوتي، يذكرني بكِ، حين كنتِ تفضْفضين همومكِ، وتئنين بوجعكِ وتبْكين، حين ذاكَ توحّدت الألوان، ولم تصدأ قريحتك، وتحشرجتْ حنجرتكِ حين أرْهقها الصدى، أتذكرين حين لعنّا المآلات .؟ حتى أيْنع التوْقُ سِرَّ الفجيعة، ورحلت قوافلكِ عني بلا دليل، أيْقنتُ أن القصيدة وحدها، لن تُعلمني كيف أمْسحُ غُبار السنين، عن عُصْفورين يتيمين مُحنّطين، ظَلاّ ساكنيْن تحت غِشاوة اللهفة عُمُرًا، حتى نسيا قسْوة الشمس وبشاشة الأرض، وحُلُمَ الطيران، حتى تملّكتْهما بعثرة أصابعي، التي تكتبُ الحرف النمير، وأرجفْهما تماسَّ الضوء، عند لحظةٍ مُشْتهاة، الحرية امْتهان النُواح، وجلْجلة التباهي، وأجيجُ الهوس الصادي، إنها الخفقان حين ترتوي المعجزات، بطراوةِ الدهشة وقت الانْغماس، حين بُرْهة من رُواء، ثمّةَ ضوءٍ يرْجفْ، وصمْتٍ يُغادرُ ثغْريَ السّخي بالحزن، على أسوارِ حديقتي فيضٌ من نزْفٍ قديم، وخيْباتٍ عطْشى، فوق أعتابِ الانتظار، مُؤجّجة بالقلقِ وظِلال الدهشة تحترق على الأرصفةِ المُرتّبة، ومساءات تتماهى، تلوكُ التباهي، كنهايةٍ طائشة لقصيدةٍ بائسة، كازْدحامِ الفكرة البالية في رأسٍ محمومٍ بالهُراء، والزيفِ اللعين، البدايات شغف مُعرْبد، والنتاج قصيدة جائعة لِتوقٍ عظيم، وترنح مضطرب ثمِلْ، على مسافاتِ النحيب، الدروب الضليلة تبْكيني حدَّ آخر الاحتراق، أتلاشى أنا ومقعدِ يأسي كغيْمةٍ أنْهكها التحليق .!