نَارُ الحُبِّ يَا مَا حَرُّ دَاهَا

نَارُ الحُبِّ يَا مَا حَرُّ دَاهَا

كتب :: محمود السالمي

نتواصل عزيزى القاري ونتجول معا فى مفردات الأغنية الشعبية ولعل من نافلة القول أن الشاعر الشعبي يستخدم خياله والصور التى قد تمر بسمعه دون أن يبصرها ولكنه يستخدمها ويوضفها لتصب فى مصلحة الأغنية ، وقد نستغرب لورود عدد من الألفاظ هي فى الأصل من خارج بيئة الشاعر بل هي من بيئة بعيدة عنه فكيف يستطيع أن يضعها فى محلها من الأغنية ، ومن ذلك مثلا استخدام شاعر الأغنية فى الواحة لكلمة ( النهر او البحر او السفينة او الموج او أسماء أودية ومناطق وأماكن ) هي بعيدة عن البيئة التى نشأ فيها الشاعر ولتدليل على ذلك نقول أن الشاعر الذى صاغ كلمات أغنية ياقلب ما قلتلك من زمان واترك فلان وواطى النظر لين قسمك ايبان يقول فى أحد أبياتها : ياقلب ما قلتلك يامشوم بطل اللوم وخش البحر بالسلاسل اتعوم وودك ليا هب ريح النسوم أتحل الخزان وذرى بلا ريح مولاك عان فالمقطع الأول من البيت هو وصف لحالة البحر والسفينة ترفع مراسيها وسلاسلها وهى تستعد للإبحار ، أما المقطع الثاني فهو وصف للحياة الزراعية فى الواحة حيث مواسم الحصاد .. وقد اخترت لكم فى حلقة اليوم الأغنية التى يقول مطلعها : نار الحب ياما حر داها نهر النيل ما يطفى سناها فهو يتصور أن للحب فى النفوس اشتعالا ً كاشتعال النار ولها داء لاتقوى القلوب على حمله .. لدرجة أن مياه نهر النيل لو صُبت على نيران الحب فأنها لن تطفئ سنا هذه النيران .. والسنا هو الضوء الناتج عن اشتعال النيران . وقطعاً أن قائل هذه الأغنية لا علم له بعلم الجغرافيا ليعرف نهر النيل وغيره من المعالم الجغرافية .. ولكنه عرف أما بالوصف او الرواية كلمة النهر . ما يطفى لهيبة وجرح الحب متغيب طبيبه ونطلب فيك يا علام غيبه تسهل قسم من كامى غلاها يلجأ الشاعر فى هذا البيت إلى المبالغة إذ يقول أن مياه نهر النيل كلها لن تطفى لهيب حب اشتعل فى قلبه ، ( ما يطفى لهيبه ) خاصة وان الجرح الذى لحقه جراء هذا الحب لم يجد له طبيباً يداويه او أن الطبيب العارف بهكذا جروح غائب لا سبيل اليه ( جرح الحب متغيب طبيبه ) وهو يطلب من علام الغيوب أن يسهل أمر الوصول إلى هذه المحبوبة ( نطلب فيك يا علام غيبه اتسهل قسم من كامى غلاها ) كامى غلاها التى وردت فى النص تعنى من أخفى حبه . تسخر من نبيها وعوم الحيل عقلي مشتهيها يامرسول سلملى عليها جواب الصح حيبا من قداها يطلب الشاعر فى هذا البيت من الله سبحانه وتعالى أن يسخر بقدرته جلا وعلا الأقدار لتسوق اليه المرأة التى يحب والتى وصفها بقوله ( عوم الجيل ) وهذه العبارة تستخدم فى اللهجة العامية لتعنى المرأة الحبيبة المتميزة عن غيرها من النساء وهى ذات صفات تتفوق على بنات جيلها ومن هن فى مثل عمرها من النساء .. ثم انه يتمنى أن يكون هناك ( مرسول ) اى شخص موثوق به يبعثه بالسلام والأشواق اليها ( يامرسول سلملى عليها ) ثم يأتيه منها بجواب صحيح عن رغبتها فى التواصل معه فى هذا الحب ام لا ( جواب الصح جيبا من قداها ) وقداها تعنى من جهتها او من جانبها .. ثم يواصل : جيب لينا جوابه نشقوا بيه والله انسد بابه سوال الله ياكاحل اهذابه تمسح دمع عينى اللى عماها هنا يعود الشاعر اى مخاطبة المر سول الذى بعثه لمن احب ويطلب منه أن يسرع فى الإتيان بالرد من قِبل الحبيبة ( جيب لينا جوابه ) لانه يريد أن يخرج من دائرة الحيرة والشك إلى دائرة اليقين ليقرر بعد ذلك الاهتمام او عدم الاهتمام بموضوع الحب فيسد بابه نهائياً .. وهو يسائل بالله المحبوبة التى وصفها بقوله ( كاحل اهذابه ) اى المكحولة الاهذاب الجميلة العينين بأن تستجيب لمطلبه فى الوصال وبذلك تزيل عنه الشقاء وتمسح عن عينه الدمع الذى أعماها لكثرة . تمسح دمع عينى وتطفي نار شاطت فى كنيني قرب زول فى غرة اتجينى وتبرى القلب من علة كماها وفى هذا البيت يناشد الشاعر حبيبته مرة أخرى بأن تمسح دموع عينه التى يذرفها شوقاً وحنينا ففي رأفتها واستجابتها للتواصل معه ستطفى اشتعال الحب فى سويداء القلب وقد استخدم لفظ ( شاطت ) وهو لفظ عامي يشير إلى شدة الاشتعال او الاحتراق أما كلمة ( كنيني ) فتعنى خاطري او نفسى ولها نفس دلالة كلمة ( الجاش ) او الجأش .. ثم يعود ليطلب من ذي القدرة العالية أن يُقرب المحبوبة ويتمنى عليه أن تأتيه على غفلة او مصادفة او فجأة لذلك قال ( فى غُرة اتجينى ) ليبرأ قلبه من داء وعلة طالما أخفاها وهى الحب ( وتبرى القلب من علة كماها ) . نار الحب شومة هلى تلفاه يرتقن عز ومه يغيب الفكر وايجنا همومه يظل أيموج من كاحل حجاها يصل الشاعر فى هذا البيت إلى تقرير أن ما يشعر به من اشتعال الحب فى فؤاده هو نتيجة منطقية لان ( نار الحب شومة ) اى أنها مشئومة .. فمن يعايشها يصير لاعزم له وفى العامية يقولون ( فلان رقيق عزم ) اى انه حساس رقيق المشاعر ، فأذا ما عشق واحب فأن فكره يغيب وتلفه الهموم وتأخذه أمواج التفكير المستمر كلما تذكر جمال الحبيبة وعيونها الكحيلة . من كاحل اصبيا عوم الجيل بو بشرة نقية هني من دار هو واياه غية وبعد الحب قسمتله وخذاها الشاعر فى هذا البيت يواصل ويعطف المطلع على البيت السابق فهو يؤكد أن أمواج التفكير تأخذه كلما تذكر ( كاحل اصبيا ) اى كحيل العين .. وتقول العامة ( فلان كيف أصبى العين ) اى فى محل بؤبؤ العين خاصة اذا كان حلو الطلة جميل المحيا وله بشرة نقية نضرة ( عوم الجيل بو بشرة نقية ) والتى وصفها بقوله ( عوم الجيل ) وهذه العبارة تستخدم فى اللهجة العامية لتعنى المرأة الحبيبة المتميزة عن غيرها من النساء وهى ذات صفات تتفوق على بنات جيلها ومن هن فى مثل عمرها من النساء .. ومن أحبته هذه الفتاة سيعيش هنياً راضياً مرتاح البال خاصة اذا ( بعد الحب قسمتله وجاته ) . فقديماً قال شاعر الهوى العذري ( عمر ابن آبي ربيعه ) : قد شفينا النفوس أن كان يشفى من هواها عِناقها واعتناقي وهو اصدق حين قال : ووجدتُ حوضَ الحبِ حين وردتهُ مُرْ المذاقةِ طعمهُ كالعلقمِ

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :