بقلم :: إبراهيم هيبة / أستاذ العلاقات الدولية والسياسات المقارنة
ليبيا – ” قد يتصور الكثير من الليبيين أن المعارضة التشادية التي تحتل جنوب ليبيا هي جبهة واحدة و لكن الحقيقة هي أن من يحتل الجنوب المحتل خليط من إحتلال لقوي تشادية ونيجيرية ومالية وسودانية مدفوعة من قبل حكومات الساحل أو الطوق الافريقي وبعض القوي الكبري ذات المصالح ” . هذا ما قاله استاذ العلاقات الدولية والسياسات المقارنة الليبي الباحث د. إبراهيم هيبة المنحدر من منطقة وادي الشاطئ فى الجنوب تعليقاً على الأحداث الدائرة فى مدينة سبها منذ أيام .
وفى تقرير أول أعده هيبة اليوم الإربعاء وتلقت صحيفة المرصد نسخة عنه ، رسم الباحث خارطة شفهية لحركات وفصائل المعارضة التشادية الناشطة فى البلاد وحتى تلك المناوئة لحكومات النيجر ومالي وغيرها من دول الساحل والصحراء المتاخمة لليبيا ودول الطوق مؤكداً لـ الصحيفة بأنه بصدد إعداد جزء آخر لبقية المناطق ، وكان تقريره الأول كالتالي :
1 – الحركة من اجل الديمقراطية و العدالة في تشاد MDJT :
تتكون هذه الحركة بالكامل من شعب التبو وتأسست في جبال (التو) او تيبستي و غالبية كوادرها انتقلت للعمل في جنوب ليبيا كنشطاء تبو يزعمون انهم ليبيون و كثير ممن يتصدرون واجهة التبو في الجنوب المحتل هم عناصر بارزون في هذه الجبهة و كانت الحكومة الليبية قد سجنت اكثرهم بطلب من الحكومة التشادية و التي طالبت بتسليمهم في التسعينات .
2- القوات الثورية المسلحة من اجل الصحراء FARS :
و هي حركة تمرد مكونة بالكامل من التبو و موجهة ضد حكومة النيجر ، وقعت الحركة اتفاقيات مع الحكومة النيجرية ثم انتقلت مع 2011 للعمل في جنوب ليبيا ومن ابرز زعمائها بل هو زعيمها التاريخي بركة وردكو المهدي الذي استعان به النظام اولا ثم نجحت قوى استخباراتية دولية في قلبه في منتصف سنة 2011 ليؤسس نواة لكتيبة مسلحة اسماها (درع الصحراء) ،تمثل كوادر هذه الحركة النيجرية عناصر نشطة في جنوب ليبيا منذ 2011 من ابرزهم وردكو نفسه وشقيقه محمد وكذلك المدعو محمد صندو الذي مثل التبو في اتفاقية الدوحة للصلح بين الطوارق و التبو في الحرب التي شنتها جبهات المعارضة التشادية لاحتلال مدينة اوباري ثالث اهم مدن الجنوب ،شغل في التسعينات منصب نائب الرئيس النيجري بناء على اتفاقية الجزائر للسلام .
3-جبهة الوفاق من اجل التغيير في تشاد :
تتمركز الجبهة حاليا في عدة مواقع بالقرب من سبها و في عمق الجنوب في بلدة ام الارانب ،يقودها الدكتور مهدي على محمد (من شعب الكريدة احد الفروع الكبيرة لشعب الدازقرا) و الجنرال محمد نوري زعيم شهير للمعارضة التشادية كاد ان يستولي على انجامينا عام 1998 وهو وزير سابق ينتمي لقبائل اناكزة المنتمية لشعب الدازقرا الذي يعتبر شعب التو-بو احد فروعه ، من الاناكزة الرئيس السابق حسين حبري .
فرضت الحكومة الفرنسية عقوبات على كلى الشخصين في منتصف 2017 حسب تقرير الخبراء الدوليين ،وثيقا الصلة بأمارة قطر و متحالفين مع القوة الثالثة مصراتة ،شاركت حركتهم في حرب يناير 2014 لاحتلال مدينة سبها .
4- المجلس العسكري لانقاذ الجمهورية CCMSR :
وهي من كبريات حركات المعارضة التشادية ويتمركز كسابقيه في عدة مواقع بجنوب سبها، يعمل قادته على برنامج تدريبي نشط يزعمون ان لديهم قوات من الافراد تصل لاربعة الاف فرد ، يشهد انضمام المزيد من الضباط و العساكر التشاديين الذين ينشقون حديثاً عن نظام ادريس ديبي خصوصا من قومية (الدازقرا) واعادت الحركة تشكيل مجلس قيادتها قبل حوالي الشهر بمجلس مكون من 12 كادر على رأسهم ابكر شريف عيسى كأمين عام خلفا لمحمد حسن بولماي الذي اعتقلته الحكومة النيجرية مع عدد من معاونيه عند دخوله البلاد قادما في زيارة من مواقعهم في الاراضي الليبية و ذلك قبل اسابيع .
5-تجمع القوى من اجل التغيير في تشاد RFC :
هذا الكيان هو احد حركات المعارضة التشادية المسيطرة على جنوبي ليبيا و له مواقع في جنوب سبها و يغلب عليه الانتماء القبلي من خارج قومية (الدازقرا) و تحديداً الى القوميات التشادية المنتشرة في شرق تشاد و اهمها (الزغاوة) التي ينتمي اليها زعيم هذه الحركة الجنرال تيمان اردمي و هو واحد من اشهر قادة المعارضة التشادية .
شغل تيمان قبل تمرده منصب مدير مكتب الرئيس التشادي ادريس ديبي الذي تربطه به صلة رحم وكاد ان ينجح التحالف الذي انشئه مع الجنرال محمد نوري في اسقاط حكم ادريس ديبي في 1998 ، تيمان ارديمي مقيم في قطر منذ قرابة 10 سنوات و يقود حركته من هناك ، شاركت مجموعته في الهجوم على قصر بن غشير كمرتزقة في العام الماضي .
هذه الحركة وثيقة الصلة بحركة العدل و المساواة الدارفورية بحكم العلاقات القبلية ، تلقت الحركة ضربة موجعة اثر الاقتتال الداخلي الذي حدث بمدينة سبها بين عناصر الحركة في شهر 12 الماضي و نتج عنه مقتل قرابة 10 افراد من كبار قادة الحركة و كوادرها الميدانيين .
6- حركة العدل و المساواة السودانية :
حركة تمرد سودانية أشهر من أن تُعرف ، تنتمي الى قومية الزغاوة و انتقلت إلى ليبيا منذ سنة 2011 و منذ ذلك الحين شاركت في العديد من النزاعات الليبية كمرتزقة ، لها مواقع غير ثابتة في الجنوب الغربي لليبيا، وشاركت في الهجوم على سبها في عام 2014.
7- حركات المعارضة المالية والنيجرية :
حركات المعارضة المالية والنيجرية من قبائل الطوارق وهذه المجموعات قدمت من مالي زواد وجنوب الجزائر وشمال النيجر وبركينا فاسو وموريتانيا وشمال السنغال. هذه المجموعات استقرت في معظمها في منطقة وادي الحياة او ما يعرف بوادي الاجال وغات وعدد كبير منها استوطن في مدينة سبها ومعظم ابناء تلك القبائل منخرطين في جماعات مسلحة وتمارس الحرابة وقطع الطرق واشاركت في الكثير من الصراعات الاهلية في ليبيا حيث استعان بهم النظام السابق واستعانت بهم ايظا الكثير من المليشيات الليبية بعد سقوط نظام القذافي …. كما استطاع عدد كبير منهم تزوير الوثائق الليبية.
خــــــــــــاتـــــــــــــــمة
يرى هيبة أن الصراع في الجنوب الليبي ليس بين الليبيين ولكنه محاولات احتلال وسيطرة وفرض نفوذ من قبل بعض القبائل الافريقية القادمة من مالي وجنوب الجزائر والنيجر وتشاد والسودان مشيراً إلى أن الفراغ السياسي والامني جعل من المنطقة مرتعاً للجماعات المسلحة المحلية و القادمة من تشاد والنيجر والسودان بالاضافة الي تحولها الي مركز لمهربين البشر من افريقيا والسلع والمخدرات وتوافد الهجرات الافريقية الجماعية من دول الطوق الافريقي .
كما يعتبر هيبة أن سقوط النظام السابق وحدوث هذه الفوضى قد مكن الكثير من القبائل الافريقية وخصوصا تلك القبائل التي لها امتدادات في المنطقة بين عدة دول في منطقة الساحل من الهجرة الي الجنوب الليبي وتمكن الكثير من ابناء تلك القبائل من تزوير الهويات الليبية والانخراط في الصراع الاهلي في ليبيا مؤكدا بأن هذه الهجرات كان لها اثر كبير علي تغير الديموغرافيا السكانية بالمنطقة .
وأضاف : ” في الحقيقة ان هجرة تلك القبائل لم تكن طواعية بل كان مدفوعا ومشجعا من قبل حكومات دول الساحل مالي والجزائر والنيجر وتشاد والسودان بغية التخلص من تلك القبائل الافريقية التي تقطن الصحراء لان معظم تلك القبائل لديها تاريخ في الانتماء الي المعارضات المسلحة وخلق حالة من عدم الاستقرار في تلك الدول كما كان لابناء تلك القبائل ادوار سلبية في تعزيز الامن والاستقرار للشركات الفرنسية العاملة في المنطقة وبالتالي فان فرص التخلص منهم والدفع بهم نحو ليبيا ومحاولة توطينهم في الجنوب الليبي تعتبر فرصة تاريخية لتلك الدول لتحقيق نوع من الاستقرار الامني والسياسي لها “.
وتابع : ” من جانب اخر للدولة الفرنسية المستعمر القديم للجنوب الليبي الرغبة في اعادة فرض النفوذ فيه وهذا لا يتأتي الا بدفع القبائل الافريقية التي تدين بالولاء للدولة الفرنسية من منطقة الساحل الي جنوب ليبيا فما يحدث في الجنوب هو في حقيقته ليس صراع بين الليبيين انفسهم ولكنه محاولة لتلك القبائل الافريقية التي قدمت من صحراء مالي والنيجر والجزائر وتشاد وشمال السودان للسيطرة علي الجنوب وعلي منافذ التهريب التي تذر الاموال الطائلة علي ابناء تلك القبائل كما ان هناك حديث عن انخراط استخبارات بعض دول الطوق الافريقي ايظا في الصراع الدرائر بالجنوب بغية تصفية بعض الحسابات مع بعض قادة المعارضات المسلحة ” .
يؤكد هيبة ومن جانب أخر ان لفرنسا مصلحة كبيرة في تامين منطقة الساحل وفرض نوع من الاستقرار والامن لشركاتها العاملة في المنطقة كما ان لها مصلحة مباشرة في تأمين استقرار الانظمة السياسية الموالية لها بغية تامين مصالحها التجارية والاقتصادية والامنية وهي اسوة ببقية الاروبيين لها مصلحة في كبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين الي أوروبا وفي تقدير الاروبيين ان ليبيا دولة ذات مساحة جغرافية واسعة و امكانيات كبيرة وتعداد سكاني قليل وبالتالي فأن البلاد وتحديدا الجنوب قد يصلح لان يكون موطنا بديلا للمهاجرين غير الشرعيين مشيراً إلى أن هناك مساعي حقيقية في هذا الصدد ولكنها مرفوضة من الشعب الليبي .
ويرى الباحث إبراهيم هيبة أيضاً بأن باريس وأسوة ببقية العواصم الأوروبية لها مصلحة في محاربة الارهاب وعدم السماح للجماعات او العناصر الارهابية بالتسلل الي أوروبا عبر ليبيا وبالتالي فأن وجود قواعد فرنسية في منطقة الساحل هو في الحقيقة يأتي لعدة اهداف احدها هو محاربة الاراهاب ولكن هذا قد يدفع بان يفر الارهابيين من منطقة الساحل الي ليبيا في ظل غياب حكومة ليبية مركزية قوية وجيش ليبي قوي.
لكن المثير للقلق والاستغراب والكلام لـ هيبة هو أن معظم هذه المليشيات الافريقية تقاتل وتحتل التراب الليبي باموال واسلحة ليبية فقد استطاعت هذه المليشيات الحصول علي الاسلحة والاليات والاموال والامكانيات من الحكومات المتعاقبة على ليبيا ومن المليشيات المتناحرة التي تسعي الي السيطرة والاستفراد بالسلطة كما تحصلت هذه المليشيات علي اسلحة واموال وامكانيات من النظام السابق ويؤكد الباحث بأن الدعم لازال يتدفق الي هذه الجموعات تحت مسميات جيش وطني وحرس حدود وحرس منشآت وكتائب مسلحة تحت ما إعتبرها كذبة كبيرة و هي انهم ليبيين وثوار وما الي ذالك وهم ليسو كذلك.
يختتم إبراهيم هيبة تقريره محذراً من خطر مفزع قد بات حقيقة وهو أن عشرات العائلات الليبية من الجنوب قد رحلت الي الشمال وخاصة إلى طرابلس بعد ان ضيق الخناق عليهم واصبحت غير قادرة علي تامين نفسها وقال :” الخطر كبير ونحتاج الي صحوة قبل فوات الاوان فافراغ المنطقة الجنوبية من سكانها الليبيين الاصليين واستبدالهم بالافارقة المهاجرين غير الشرعيين هو إيذان بانفصال المنطقة وضياع جزء من التراب الوطني ” .
28 فبراير 2018