د . نورالدين سعيد.
لو عاد بالقوة مثلاً، ما محلنا منه؟. وفي حدود أخرى (ربما) هذا الشيزاري، ضاق عليه الخناق، فانفجر.. رغم بعد تخصصي عن السياسة، أشك نوعاً ما في أن ما يشحذ دولة على العالم ويفجرغيرتها، أو دولة على دولة، أو عالم على دولة، هو مسائل تتعلق بالتاريخ، وبالقيم.. التاريخ العام ليس فقط قصة عابرة، أو قصة مثبتة، يرويها بالكتابة، أصحاب الفعل التاريخي، أقصد أنهم يروونها من خلال مؤرخ، لأنهم ليسوا مناطين بالكتابة، بقدر ما أنهم ملزمون بتحريك التاريخ وفق قيمهم وموروثهم، ربما هم أبطاله، وربما هم ضحاياه، وربما يفعلون ذلك من أجل الخلود فوق صفائح الذهب، وربما كذلك يفعلون ذلك من أجل أوطانهم ومن أجل عصبيتهم وعلاقاتهم البيولوجية، لكن من ناحية أخرى، إن التاريخ قد يكون من وجهة النظر الفوكويامية القديمة الحديثة <<انتهى>>
فقط أن فوكوياما الذي أسوقه مثالاً، ويبدو أننا تناسيناه أو غفلنا عنه، تناسى أو تجاهل مسألة جديرة بالتفكير فيها، وهي مسألة يمكنني أن أقترح إدخالها لأنها تهمني، وهي (القوامة)..ربما تكون هذه الكلمة مسحوبة من موروثنا العربي (الثيولوجي) ومن حقنا أن نستخدمها، وأن نظيف لها شيئاً تتفاعل معه وبه، وهو (القيم) بكل تأكيد، لأن “القوامة” في موروث القيم ليست فقط ثيولوجية (دينية) لكنها عُرفية، وهي مستخدمة في كل المجتمعات الشرقية من خريطة العالم، ومن أنثروبولوجيته كذلك، القيم هنا بمغزاها العصبي، أو لنقل الخلدوني، هي التي تفجر العصبية منذ الإنسان القديم على ما يبدو، لأن القيم وحدها هي التي تنتج وببساطة مسألة أخرى هامة، وهي الغيرة، <<القيم في اتجاه الغيرة>>.
والحقيقة أنني لا أستطيع ستطيع أن أجزم أن عوالم الشرق وحدها هي التي تومض فيها القيم، لكنني فقط، لم أرها في عوالم الغرب، لأنها اختلطت برأس المال أكثر، ومُزجت بالاقتصاد، هي في هذه الحالة أكثر واقعية، لكنها أكثر وللأسف “هلامية” وأكثر عدمية، بحيث تنعدم فيها المسائل القيمية المتعلقة أكثر بالأخلاق، على الرغم من تشبع الاقتصاد الرأسمالي بها. من المحتمل بعد هذا التمهيد، أن حوادث اليوم بين روسيا وأوكرانيا، أو لنقل بين روسيا والعالم، موتورها الذي يشتعل بالنار ويتم تبريده في كل مرة، وعلى امتداد ثلاثين عاماً أو يزيد، لم ينفع معه الإخماد في هذه المرة الأخيرة، لقد تغذى بالكربون واختنق بالميثان، هذا الميثان في رأيي، هو الأقرب من موضع هذه <<الغيرة>> التي أردت الإشارة إليها؛ (الغيرة على القيم)، (والثورة على العزلة) في مقابل ميراث الوجود؛ فالصراع دائماً ومنذ قابيل، هو صراع غيرة على المكان، وغيرة على ما بعد المكان، وهو (ما تراكم فيما بعد من قيم: أخلاق، اقتصاد ثم اجتماع). القيم حين تصل إلى الاجتماع ويتم التعارف عليها، لا تصبح متعارفا عليها، بل <<متعاهدا عليها>>
وعلى ما يبدو أن التراكم النفساني في كميات القلق المتعاقبة، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي (السوفياتي) وتجزئي الكتلة وصغرها، ثم تحقيرها، هو الذي أدى إلى (حالة من الكآبة) استفحلت مرضاً ملازماً وجب علاجه، فقط أن آليات علاجه بالبتر أو الكي بالنار، دون النظر إلى أنه ـ وقبل أن يتمثل في الجسد الموحد ـ هو حالة نفسانية تستلزم حواراً قد يطول، فإن الغيرة استفزت أصحابها هذه المرة وطال أمد تهدئتها، فاضطروا على ما يبدو إلى طرق الكي بالنار.. المختصر، غافل من يقول إن العلوم التطبيقية غير نافعة التطبيق في مناهجها مع العلوم الإنسانية، ولا غرو أن الروس استفادوا من نظرياتهم في الأدب القديم، ومن مدارسهم الشكلانية في الفنون والآداب، لأنهم أول من وضع لبناتها، وأسس لها، بالتعاون مع الأفكار التي مهدت لعلم جديد قد يتحرك العالم على بوصلته في العلوم السياسية بالذات، وهو علم العلامات