بقلم :: عائشة الأصفر
فقط عندما يكتمل القمر شبح يظهر لعجوز كأنها تحمل عصا، تترنح في مشية ضعيفة متجولة بين مسارب الجبل وقممه، تقف..تلتفت وتواصل المسير،كأنها تبحث عن شيء ما! ذات ليلة اقتربت حتى وصلت الجدول الترابي الذي يقابلني..وضعتْ الجسم الخشبي أمامها..وضعته بكل تحفظ وهي تتأمله بوقار شديد كما لو كانت تستمحه عذرا بوضعه فوق التراب، أو لسبب أخر أجهله ,خشبة ذات ساق غليظة يتفرع منها غصنان كبيران بدت لي مقطوعة من شجرة كبيرة, حجم الشكل الخشبي الكبير لا يتناسب وجسد صاحبته الذي أكلته السنون! دارت بنظرة حذرة يمنة ويسرة، فعكسَ القمر صورة لوجه شديد البياض مزخرف بالوشم الأخضر,خطّرَت عليّ مثلا تردده “الدادة” (السيل له جُرّة) ،عندما تنظر آثار جمال ،وقفتْ أمام الجذع الذي نصبته على فرعيه العريضين, ثم أخذت في التخلي عن ثيابها! .. بدأت بعصابة رأسها المزينة بريشة كبيرة مميزة الألوان ..أزاحت بعدها طرف رداء أزرق كانت تُغطي به كتفيها وتشده عند صدرها، لم يستطع حذرها منع فضولي من ملاحقة حركاتها الغريبة.. التفاتة سريعة ونزعت ثوبا شفافا كان الأخير الذي يغطي جسدها العلوي، ولم يبق عليه إلا إزار سفلي..لم أصدق ما أرى! امرأة بثدي واحد! لماذا؟ وأين؟ كيف ومتى تم ذلك؟ وهل التي أمامي الغولة التي في خراريف “الدادة”؟ هي لم تخبرني عن غولة بثديّ واحد! بل بضخامة أثديتها وبأنهار حليبها؛ يا لذاكرتي!… أظنها أمازونة من أمازونات التاريخ الذي حيّرته على فسيفساء شمال الشام، وجدران كهوف تاسيلي؟ نساء مقاتلات قررن قطع أثدائهن للتمكن من استخدام القوس والنبال دون إعاقة؛ ولكن كيف طارت إلى هنا؟
وقفت الأمازونة المقطوعة الثدي منتصبة أمام العود الخشبي.. رفعت كفيها ووجهها صوب القمر، وهي تبتهل:أيور..أيور..أيور,ثم صارت تتمتم بكلمات لم أتبينها، نظرتْ بعدها إلى عودها الخشبي وَدَعَته بتضرع: إمناي..إمناي..إمناي,وأخذت ثانية تتمتم بكلام أيضا لم
أفهمه!، لكن العود أخذ في الهز! وفجأة التفتت نحوي ونظرت إليّ مستغربة! وصارت تبادل نظراتها بيني وبين عودها, لكن ضبابه دخانيه حالت بيننا واختفت فجأة! لست أدري هل
أخبرها عودها عن شيء؟ أم رأت في شكلي ما استفزّها؟ لم أفهم؟ لكنني شكرتُ الضبابه الدخانية.
انكمشتُ داخل حوضي .. أصفد كقنفذ .. أتدثر بخوفي في هذا الجو الذي أجهله وأجهل ما ينتظرني من غموضه المبهم ورموزه التي يصعب فكها ..”
“اغتصاب محظية” رواية