وعي المرحلة

وعي المرحلة

عبدالرحمن جماعة

الحاج خليفة كان يقود سيارته الصحراوية وهو عائد من رحلة البحث عن ناقته الضائعة، ترك الصحراء خلفه والتحم بالطريق المعبد، لكنه نسي أن يعيد السيارة إلى الدفع الثنائي بعد أن كانت على الدفع الرباعي حتى نبهه إبنه، فالسيارة وهي على الطريق المعبد لم تعد بحاجة إلى نظام الدفع الرباعي ناهيك عن أنه يشكل ضغطاً على المحرك ويستكلك وقوداً أكثر!.

الحاج خليفة كان يفتخر بنظام الدفع الرباعي هذا، وكان يُسميه (ريدوتَّا)، وفي هذا أيضاً عدم وعي بالمرحلة لأن كلمة (ridotta) هي كلمة إيطالية تعبر عن نظام قديم يعمل على زيادة عزم التروس وتخفيض السرعة؛ بينما يعمل نظام الدفع الرباعي على تعشيق التروس لتعمل العجلات الأربع بدلاً من عجلتين!

عدم وعي الحاج خليفة بالمرحلة لم يتوقف عند هذا الحد، بل أيضاً في علاقته أو لنقل تعلقه بالإبل، وفي تصابيه، فهو وإن كان قد تجاوز السبعين من العمر إلا أنه يعيش كصبي وخاصة إذا رأى (الكشك)، وخاصة خاصة إذا كان في الكشك (حجالة)، فهو حينئذٍ يقوم بحركات بهلوانية لا يستطيعها شابٌ في العشرين، مع العلم أنه لا يصلي إلا على كرسي!.

عائلة الحاج خليفة كلها ابتلاها الله بعدم وعي المرحلة، فعلى سبيل المثال؛ زوجته الحاجة سليمة لا تزال تضايق كنتها وتلمزها بالكلام، وحتى (شتاواتها) في الأفراح كانت عبارة عن صواريخ موجهة توجيهاً دقيقاً نحو الكنة التعيسة التي لا جرم لها ولا عيب فيها سوى أنها أخذت منها إبنها، أو على الأقل هكذا ترى الحاجة سليمة!.

أما ابنتهم الكبيرة التي عنَّست بسبب أنها لا تزال ترتدي فساتين جيل السبعينيات وتُسرح شعرها تسريحة تلك الحقبة، فلا هي تحجبت وأرضت ربها ولا هي تطورت وأرضت خُطَّابها!.

ولكن.. لا علاقة لنا بالحاج خليفة وعجوزه (الحرنيفة) وابنته العانس.. مالنا ومال الناس!

ما يضايقني فعلاً هو أن أرى باحثاً في التاريخ يسرد علينا أحداثاً من الحقبة العثمانية أو فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا ويحلل تلك الأحداث والوقائع دون أن يضع في اعتباره الاختلاف الجوهري بين حاضرنا وبين تلك الحقب في الكثير من المفاهيم مثل مفهوم الوطن، والدين، والدولة، والحرية، والجهاد، ودون أن يضع في اعتباره حضور هذه المفاهيم لدي كل شريحة من شرائح المجتمع!.

وبناءً على هذا السرد الممل لذلك الأكاديمي الساذج فإنه لا يُمكنك أن تتصور فرقاً واضحاً بين فترة حكم (أحمد باشا القرمانلي) وبين فترة حكم (عبد الحميد باشا الدبيبة)!.

وأيضاً ما علينا من هذا الأكاديمي الذي يُظهر لنا التاريخ بصورة رجل يرتدي ربطة عنق وسروال عربي!.

صحيح أن وعي المرحلة مهم جداً، لكن ينبغي أن نعي أن الانتقال من مرحلة إلى أخرى أصبح سريعاً جداً وأنه لم تعد ثمة فجوات أو فواصل زمنية أو مناطق رمادية بين مرحلة وأخرى، والأهم من ذلك أن نعي أن المرحلة التي تذهب لا تعود، فلا مجال لعودة الملكية أو عودة النظام الجماهيري كما أنه لا مجال لعودة ابن الحاجة سليمة إلى حضنها بعد انتقل إلى حضن امرأة أخرى!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :