وين السمي يارايس؟

وين السمي يارايس؟

سعاد سالم

( تَنّوَه 

ما يشبه ترسب التجارب والمعرفة )

في الاقتصاد الليبي درسنا خطط التنمية بعدما عرجنا على تاريخ اكتشاف النفط ومن ثم بداية تصديره وباعتبار أننا من الجيل الذي لم تذكر الملكية أمامه بخير،غرقنا في الصمت حينما صرخ الدكتور المحاضر ،كيف عهد كامل يُباد؟ وكان ذلك الصراخ المستنكر رد فعل الدكتور العراقي على تعليق جاء من آخر القاعة عن أن كل هذا حدث في العهد البايد.

العهد البايد

هل البايد هو البائد من الفعل إبادة ؟ في لغوتنا البايد هو القديم المهلهل وكما في تعريف المثل :ماينفع في البايد ترقيع، إذاٌ ماذا يقصد بالعهد البايد؟

 يعني القديم المهلهل واللي ماينفع فيه ترقيع؟وهذا يعني رميه في القمامة؟ نعم، إنه كما في لغوتنا حرفيا ،و تلوّح كما تبين، وكأنه لم تخلق ليبيا قبل التسعة وستين، حقبة كاملة نشأنا ونحن نجهلها تماما لولا تهدريز الأولين، ولأجيال تالية عاد إليهم ومن المجهول اسم ليبيا المحرّم منذ ال 77 وذلك لو تتذكرون مع ليبيا الغد ، إذن كان الدكتور ميثم في نهاية الثمانينات في كلية المحاسبة بغريان حيث كنت أدرس، كان في الواقع يتحدث عن إبادة وهي فعل إجرامي لن يسقط بالتقادم ولكن البايد صفة ولا يقع أي جرم على من رمى الحاجة البايدة في قردل لكناسة، فالبايد بكل دلالاته من موضة قديمة في الحكم (رجعية xالتقدمية) راسخة في العمالة والفساد كما نظّرت النظم الاشتراكية ولهذا سمّاها أصحابها والمتحمسون لها ثورة بمفهوم التغيير  بعيدا عن فلسفة عدد المنخرطين فيها، أو انتماءاتهم، وعليه رُمي تاريخ ليبيا البايد ما امتد من بعد شنق عمر المختار في سلوق  1931 ول 38عام حتى الفاتح من سبتمبر، وهذا ما كان مقدمة لغوية لنظام عدم تحمل مسئولية الأفعال، وهذا نظام ليس معديا على طريقة الأمراض، بل نظام رسخته سياسة حكم البلاد لاحقا وبطريقة ممنهجة ، كما لو أنه إبادة لأخلاق الرشد بما يتحقق فيها من مسؤولية والتزام.

سياسة المسح

كانت البداية أمام عيني، كنت أقف في الدور الثالث في القلالية بشارع الجمهورية في أواخر العام 2011 أراقب كيف أخذ شاب يخربش على جدار مدرسة جمال عبدالناصر شارع 17 فبراير، كان شابا صغيرا لا يعرف أن شارع الجمهورية أعيد إليه اسمه الرسمي،بديلا عن اسم الجماهيرية الشعبي هكذا تحت حس مس ،والجماهيرية قائمة، أعني شاب صغير مثله من أين له أن يعرف أنه يسلك سلوك من قامت عليه تلك التي يخربش اسمها يمحي السابق، لقد تعلم هذا ولم يكن يحتاج إلا لكتب مدرسية لاصلة لها بما قبل ولادة أبويه، تعلم أن يكون مقطوع من شجرة، و تعلم جيله كله والاستثناء  لايلغي القاعدة أن هدم الماضي هو انتصار،  لدى لم يتألم أحد ومبان مثل المثابات تتحول ركاما عوضا عن توظيفها في التغيير، كأن تتحول إلى ملاذات ثقافية ، فنية بديعة،أو مقارا لأحزاب، مثلا!

سياسة العزل

لماذا لابد من القبول بتعبيرات مثل: عدو عدوي صديقي كمسلّمة، في الوقت الذي يفترض فيه أن يقود الوعي والحكمة ، خيارات ما بعد أي (معركة)، والتي يفترض أن يكون أسمها (منافسة)، لتقول عدو عدوي ليس صديق، وكان بودي استخدام مفردة (الخصم) التي يفترض أنها من لغة المجتمع بديل مفردة (عدو)، غير أن معنى الخصم بما يشي من تنافس سياسات و أفكار لم يستقر في الوجدان الشعبي منذ ألغى الملك الانتخابات والأحزاب بالجملة بعد أسابيع من اعلان الاستقلال، ونفَى الخصوم، وهكذا صار العزل ثقافة سياسية،تبنّاها كل من وصل إلى السلطة من عام 52وحتى الآن .

لم يكن قانون العزل السياسي هو ماينطبق عليه حرفيا الجملة المعروفة أول مسمار في نعش المصالحة الوطنية، لقد سبق وأن عزلوا من عرفوا لاحقا بنخبة فبراير، من كانوا مصنفين أعداء لنظام الطاعة للصيغة الواحدة في إدارة الثورة، وكنت أنا واحدة ممن تبع الحرية، ولم أرَ أنه يجب أن أتبع خريطة غامضة لفبراير ولا الإلتزام بها، فلطالما كنت مع القلة، إذ أنني ولسنوات بعد فبراير لم أفهم لماذا سقط اسمي سهوا كما قيل من لجنة تسيير دعم وتشجيع الصحافة 2011 مثلا، فلم ينتمي اسمي يوما للمكافآت في سِبر السلطة لتفريق من لم يتفرق، ولماذا كل ما كان بديهيا لصناعة صحافة الرأي العام ظل خيالا ثم انقلب تهمة، ولماذا ظللت أطارد كرسي وطاولة وعمل بدأ في 2007، إذ كان العقاب ومازال ألا يكون لك كرسي حيث تعمل،هل جربتم ذلك؟ ستعتقدون هذه الحكايات شخصية ولاتهمكم، فيما هي تفصيل صغير يصنع سؤال الناس لماذا لم يتغير الحال، ولماذا ظل بعض الناس وأنا منهم نعامل كأعداء قبل وبعد . وستهمك قصتي  إن كنت من القلة التي رفضت فصالة قانون الانتخابات، ولو كنت من القلة التي ضد التمديد، ومن القلة التي رأت في لجنة فبراير، ولجنة الأزمة مزيدا من المسامير تدق في نعش التغيير والحريات، ولو كنت من القلة المعترضة على قانون رقم سبعة وعلى وجود دار للإفتاء تصيغ السياسات الاقتصادية وتعادي النساء وتحول منبر الجمعة إلتي تجمع الناس إلى حملة تكفير للخصوم السياسيين، ولو كنت رفضت لجنة النزاهة التي تفتش في النوايا، هذا لو لم تكن ممن تحت العلم المخطط مازالوا يفضلون الصوت الواحد وياسلام لمّا يكون عالي.

العزل ليس مسألة شخصية بل معركة تدار بغير قواعد وقوانين تحكمها، في الظاهر تستهدف أفرادا بعينهم ،لكنها في الواقع هى معركة قضاء على التغيير.  

 عن مصير لفلوكة

 الكتب الصريحة التي تعطي وصفات واضحة وبلغة جلية عن كيف تضع اللجام في فم الجماهير بعدما تجعلها شخصا واحدا،مثل كتاب فن الحرب لسون تزو، و كتاب الأمير لميكافيللي وكتاب كفاحي لهتلر ، كانت خارطة طريق لترسيخ الاستبداد، كتّابها تحملوا مسئوليتها بتوقيع أساميهم، فيما الكتاب الأخضر والذي هو صنف آخر من كتب ترسيخ الاستبداد مع التنصل منه، كان يشير  إلى الحاجة التي ستحرم الشعب من الحرية، فلن يسأل المحتاج الرايس عن السمي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :