كتب :: السفير :: جمعه إبراهيم عامر رابطة الدبلوماسيين الليبيين
لم تبدأ علاقة الإسرائيليين مع أفريقيا مع قيام كيانهم فى عام 1948 بل بدأت مع انعقاد أول مؤتمر يهودى عام 1897 حيث برز خيار أن تكون أوغندا وطناً قومياً لليهود بجانب فلسطين ، تأكدت هذه الحقيقة عندما قام وزير المستعمرات البريطانية بتشجيع مؤسس الحركة الصهيونية ” تيودور هرتزل ” على وضع مخطط لإقامة وطن قومي لليهود فى أوعندا لكن المؤتمر اليهودي قرر في عام 1903 رفض هذاالمخطط وفضل خيار أن تكون فلسطين أرض الدولة المرتقبة وهو ماتم الإعلان عنه فى عام 1948 . مع استقلال الكثير من الدول الأفريقية وانضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة وتشكيلها لكتلة لها وزنها في المنتظم الدولى ، سعى الإسرائيلون لكسب ود تلك الدول وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك حين قال إن إسرائيل في أمس الحاجة إلى إقامة علاقات مع أفريقيا لكسب تأييد دولها في المحافل الدولية ، وهذا التصريح يوضح أنهم لايعولون كثيراً على الدعم الأمريكي وإنما تأمين تأييد أكبر عدد ممكن من أعضاء هيئة الأمم المتحدة ، يشار أيضاً إلى أن أحد رؤساء وزراء إسرائيل المدعو ” ديفيد بن غوريون ” صرح عام 1960 أن الصداقة الإسرائيلية ــ الأفريقية هدفها تحييد أفريقيا عن الصراع العربي الإسرائيلى وترمي في أفضل حالاتها إلى ضمان مساندة أفريقية للمواقف الإسرائيلية . هكذا تبوأت أفريقيا مكانة متقدمة في الإستراتيجية السياسية الإسرائيلية مقارنة بالقارات الأخرى ، فقارة آسيا لم تكن في أي مرحلة من مراحل التاريخ مسرحاًً للنشاط اليهودي فلا توجد جالية يهودية كبيرة لا في الهند ولا فى اليابان وليس لهم عدد يذكر في الباكستان أو أندونيسيا، وأغلقت الصين وكوريا الشمالية أبوابها أمام دخولهم لأنها تعتبرهم مخالب قط للمصالح الغربية ، وهناك سبب آخر هو التأثير الإسلامي في سكان القارة الآسيوية إلى جانب المصالح الاقتصادية التي جعلت الكثير من دول آسيا تقف إلى جانب العرب لتحقيق مكاسب أفضل . في أمريكا الجنوبية هناك جاليات يهودية فى البرازيل والأرجنتين وكوبا إلا أن الإسرائيليين قدروا أن وجود الجالية فى البلدين لايمكن التعويل عليه في تحقيق تغلغل سياسي واقتصادي فاعل خاصة أن هذه المنطقة بها جاليات عربية سورية ولبنانية كبيرة بلغت قوة نفوذها إلى أن وصل أحد مواطني الجالية السورية (كارلوس منعم) إلى سدة الحكم في الأرجنتين . هذه الحقائق جعلت أنظار الإسرائيليين تتجه نحو أفريقيا فتسللوا إلى بلدانها بمساعدة القوى الاستعمارية التي كانت تحتلها من فرنسيين وبريطانيين وبرتغاليين وإسبان وبلجيك ، فتمددوا فيها حتى وصل تمثيلهم الدبلوماسي في دول القارة خلال ستينيات القرن الماضى إلى أكثر من خمس وعشرين دولة. شهد هذا التواجد انتكاسة كبيرة بعد حرب أكتوبر عام 1973 حين قامت الكثير من دول القارة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بل إن عددا منها جمد كافة العلاقات الثقافية والاقتصادية والعسكرية فانحصر التمثيل الإسرائيلي في خمس دول هي دولة جنوب أفريقيا العنصرية ، وسوازيلاند ، وليسوتو ، وملاوي ، وموريشوس . هذا الموقف الجماعي جاء تنفيذاً لقرار منظمة الوحدة الأفريقية في نوفمبر عام 1973 القاضي بمقاطعة الدولة العبرية دعماً لجمهورية مصر العربية في نضالها من أجل استعادة أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي . لكن التمثيل عاد إلى التواجد المكثف بعد التصالح مع الإسرائيليين بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد ،والدوافع وراء التوجه الإسرائيلي نحو أفريقيا كثيرة ولها أوجه متعددة يمكن حصرها فى ثلاث مجالات . يأتى الجانب الاقتصادي من ضمن أولويات الإسترآتيجية الإسرائيلية نحو أفريقيا ، وهناك جملة من الأسباب التي تضع هذا الجانب في موقع الصدارة منها : أ ــ استخراج المواد الأولية الأفريقية وشرائها بأثمان رخيصة ، وفتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات الإسرائيلية لاسيما بعد قرار دول الاتحاد الاوروبي منع استيراد هذه المنتجات إذا كان مصدرها المستوطنات الإسرائيلية ف الضفة الغربية .
ب ــ تزويد الدول الأفريقية بالتقنيات الإسرائيلية من خلال الشركات الكبرى المتخصصة في مجال الزراعة والري واستصلاح الأراضي وتوليد الطاقة .
ج ــ الحصول على عقود باستخراج النفط لتأمين الاحتياطات الإسرائيلية منه .
د ــ توسيع نطاق تجارة الأحجار الكريمة والمعادن خاصة الماس والذهب الذي تعتبر أفريقيا أحد أهم مصادره ، وكذلك اليورانيوم الذي يحتاجه الإسرائيليون لتشغيل مفاعلاتهم النووية .
هـ ــ الحصول على عقود للشركات الإسرائيلية العاملة في مجال السياحة ، وللشركات المتخصصة في تنفيذ المشروعات الاستثمارية الصناعية والزراعية ، إما بتمويل إسرائيلى أو المساعدة على تمويل أنشطة هذه الشركات من المصارف الغربية والدولية .
ويحظى الجانبان، السياسي والأمني بنفس الأولوية ، وثمة عوامل متعددة استوجبت هذا الاهتمام أهمها :
أ ــ تهميش وتحجيم الوجود العربي في القارة الأفريقية ومنع قيام تكتل أفريقي مؤيد للعرب ومعادٍ لإسرائيل داخل النظام الإقليمي ( الاتحاد الأفريقي ) بحيث لايكون لدول عربية أعضاء فى الاتحاد ( مصر ، ليبيا ، تونس ، الجزائر والمغرب ، القول الفصل في قراراته والحيلولة دون قيام هذا التكتل على المستوى الدولي ( منظومة الأمم المتحدة ) .
هذه السياسة أفصحت عنها رئيسة وزراء إسرائيل ( جولدا مائير) منذ عدة عقود عندما صرحت في عام 1960 أن من أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية تحييد أفريقيا عن النزاع العربي الإسرائيلي .
ب ــ ضمان اعتراف أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية بإسرائيل لتعزيز شرعية وجودها سياسيا وقانونياً.
ج ــ توسيع علاقات الإسرائيليين مع الدول الأفريقية للحصول على المزيد من الدعم الأفريقي في المحافل الدولية لاسيما منظومة الأمم المتحدة ، وذلك إثر الانتقادات التي وجهت لإسرائيل من عدة دوائر بما فيها الدول الغربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية . د ــ إيجاد مراكز للاستخبارات الإسرائيلية في عدد من العواصم الأفريقية لمتابعة المجموعات التي تشكل خطراً على المصالح الإسرائيلية والغربية عامة . والتواصل مع الحركات المناوئة لحكوماتها واستخدامها ضد تلك الحكومات التي قد تتخذ سياسات تتعارض مع تلك المصالح . تختلف كثافة التواجد الإسرائيلى في أفريقيا من منطقة إلى أخرى ، وقد وضع الإسرائيليون عدة معايير منها المساحة والموقع الإستراتيجى ، والرصيد التاريخى ، وعدد السكان ، وتوفر الموارد الطبيعية النفط والغاز والتحكم في منابع المياه ، والنظام السياسي المستقر والإرادة السياسية لاتخاذ القرار ، والقدرات العسكرية، ومدى قدرة قيادات الدولة المستهدفة في التأثير على الدول في منطقتها اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ، وأيضاً تأثير هذه القيادات وقدرتها على لعب الدور المحوري والفاعل لاسيما في الاتحاد الأفريقي والمنظمات الأفريقية شبه الإقليمية وهي تجمع دول الساحل والصحراء (س.ص) ، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الأكواس) ، ومؤتمر تنمية الجنوب الأفريقي ( السادك) ومنظمة التجارة التفضيلية للشرق والجنوب الأفريقي (الكوميسا) . فى هذه المناطق ركز الإسرائيليون في تحركاتهم على عدة دول في الشرق . أثيوبيا ، وأريتريا ، وأوغندا وكينيا . فى الغرب نيجيريا ، وغانا ، وغينيا ، والسنغال وكوت ديفوار . في الوسط جمهورية الكونغو الديمقراطية . جنوب أفريقيا ، وبتسوانا في الجنوب الأفريقى .