- د :: سعد الاريل
كان يرقب والده وهو يعاني سكرات الموت كانت النهاية تقترب منه كثيرا سقطت الدموع من عينيه كان عاجزا أمام ذلك الموقف الرهيب الذي لفّه بثوب اليأس في عدم قدرته عن فعل أي شيء وهو يرى والده يتألم و ماهي إلا لحظات حتى غاب والده عن الوجود ..لقد ذهبت أنفاس والده وظل جسدا مسجى لا حراك فيه .. إنه الموت نهاية الوجود أو الحياة ..لن تعود صورة والده ثانية .. يقولون لنا إن الجسد فَانٍ وإن الروح تصعد لخالقها .. لقد أدركت أنني لن أرى والدي ثانية يسير بيننا .. و أدرك أن الموت الحقيقي يكمن في غياب الوجود .. لم يعد لوالدي وجود بيننا ..ذلك الشخص الذي كان يصر على الوجود بيننا و يلفنا برداء الوجود في كل لحظة ..إن غيابه عنا يشعرنا بغياب الوجود ..لقد كان هو صورة الحياة التي تزحف من حولنا ..كنت أرى في الموت فاجعة الوجود ..وهو النهاية الأبدية ..كنت أرى الموت يزحف بردائه الأسود فوق أسوار المدينة عندما كان الإرهاب يسيطر على المدينة .. كان يشاهد أجساد الموتى وهي تزحف نحو مقبرة المدينة بشكل شبه يومي و لا ينفك المشيعون عن حمل توابيت الموتى .. كان الموت لا يتوقف في مدينتي .. كان يعلم أن الموت ناجم عن القتل أو المرض في معظم الأحوال .. كان الموت في المعظم اختراع إنساني أو هو كامن فينا .. كان يرى مدنا كاملة تتهاوى على رؤوس سكانها كان يرى أجساد الناس تتمزق تحت الركام .. و كأن القتل هواية .. لا ينفك بنو الإنسان عن ممارسته .. شعر و أنه يقف أمام المرآة أن جسده بدا يزحف نحو الموت ..لقد قسى عليه الزمن دون رحمة .. و بدأ قوس الموت يشكل هالةً حوله .. كان يقال له إن الإنسان الصالح سوف يكون قربى الله كما تذكر الأسفار المسيحية أو يكون في جنة عرضها السموات و الأرض كما يذكر القرآن .. أي أن هناك حياة ثانية بعد الموت الوجودي ليس من السهل تصور عالم افتراضي بعد الموت .. وكان تصور الجنة لا يخرج عن معطيات الحياة الآنية ..قد صور القرآن الجنة وفق إمكانياتها الوجودية و بكل ترف الحياة الآنية .. حياة أبدية دون نغص .. و تساءل وهو يرى حركة الحياة من حوله لا تنفك عن النقائض .. فلا يمكن تصور السعادة دون ألم ..فهو لم يتحقق بأن هناك حياة دون نقائض فالحياة الدنيوية لا تهدأ أبدا من صراع و نفي ذاتها .. و كل لحظة من حولنا تحقق وجودنا .. ونحن كل يوم نرقب الحياة تجري من حولنا في صيرورة أبدية .. ونحن نأمل دائما في الغد .. فتفكيرنا لا يتوقف عن استلاب المستقبل .. ماذا فاعلون في الغد و ما بعد الغد ..؟؟؟و لعل هذا السؤال وماذا بعد ؟ أي هل نظل في رحاب الآخرة دون حراك ..؟؟ أيقن أن ما يحاط بموت والده أنه سوف يسري عليه في الغد ومن ثمة على أحفاده وأحفاد أحفاده و أن مسلسل الموت لا ينقطع ..فهو لا يستطيع إدراك الحياة دون أن يلامس نقائضها .. هل يتصور نهر في الجنة دون أن يشعر بالظمأ و هل يشعر أن الفاكهة تقطف دون عناء منه ..طفلته المولودة حديثا خرج بها إلى الشارع لترى الوجود من حولها أول مرة وأنا أشاهد عينيها وهي ترقب الوجود لأول مرة كانت عيناها تتجولان و هما ترقبان لأول مرة حركة الوجود من حولها في اندهاش كان يرى أن خروج فتاته الصغيرة إلى الوجود فاجعة الوجود يبدو لديه كان يرى أن تلك الطفلة سوف يلامسها الموت إن الأمر لايتوقف حول ملك الموت يزحف من حولنا ومن حولها دون توقف قد طال سيدنا ( نوح ) بعد سنين طويلة من الحياة هكذا تذكر الأسفار الدينية ..مع أن تلك أيقونة الموت تزحف نحونا إلا أننا نظل نصارع الوجود.. يبدو لنا من الصعب تصور حياة أبدية دون صيرورة لا تتوقف..تدفعنا إلى التصور بعد ذلك أي ماذا بعد ؟؟ أي تأملنا للوجود لا نهاية له من بعد ..فكذا تدفعنا الحياة إلى التطلع فيما وراء الوجود لا يتوقف أبدا و لا يمكننا التوقف على الاستقراء فيما حولنا ووجودنا لا يتخطى بما حولنا من تصور يغذي أفكارنا إن تصورنا للجنة لا يمكن أن يقرر بدون أن تخطى فكرتنا عن النار و العذاب .. و أن الآن يسعى نحو فكرة الغد .. ففكرنا عن الحياة لا توقف في سكون .. بل نزوع نحو الحركة التي لا تتوقف أبدا ..فتخطى الزمان الوجودي أمر شائك المعرفة بما بعد ؟ نحن نعيش في صيرورة دائمة و لا يتوقف وجودنا عن التفكير ( فيما بعد ) ؟؟؟ إن بزوغ الديانات ماهو إلا التفكير فيما بعد..كان المصريون القدماء يعبدون إله ( أمون ) إلهة الشمس للتفكير فيما بعد الليل .. كان الوثنيون يعبدون الأوثان للتصور أن الله من حولهم دون انقطاع ..