قراءة في قصيدة (صبرها مصروفها ) للشاعر عثمان قرين

قراءة في قصيدة (صبرها مصروفها ) للشاعر عثمان قرين

الشاعر :: صلاح الرشيد

قانت ودارت صبرها مصروفها
زاد في الغراير فوق ما الاحمال
وعضت على يد الوجع من خوفها
جر الكلام ايجيبها لسوال
وهي بطنها بيضه مثيل ألصوفها
مابات في صرايرها إلا الحلال
القل دارها غير العصر معلوفها
المال ينخلف ما تنخلف لرجال
والايام ديما معبيات ارفوفها
ايجنك بماللي يخطرن عالبال
الدنيا اليا دارت اتجي بسيوفها
على أجوادها ادول نصيب انذال
ولا يكون عاقلها كذي مخطوفها
(هي) بالوجوه والآخره بالاعمال !

عثمان قرين شاب شاعر واعد وصديق شخصي وإنسان مجتهد على جميع الأصعدة يحمل بالإضافة لشهادة لا إله إلا الله شهادة بكالوريوس في هندسة النفط ومن خلال الشهادتين سالفتيْ الذكر استطاع التنقيب في أعماق الحياة عن خلاصته الفكرية وقناعته التي ابتدأت بمخافة الله ، وأضاف لها معرفته بما تخرجه الأرض من بطنها من معادن وأحجار وما يحتوية سطحها فعرف أن ” ما في باطن الأرض خير مما على سطحها ” .
هذة الخلاصة استطاع أن يبرزها في نص ثقيل الوزن قليل الأبيات مُتخم بالحكم التي أضفت لشعره انطباعا لكل من يقرأ الأبيات بأن هذا الشاب كهل في عمره ولن يصدق أنه قد بلغ الثلات عقود من عمره . فهل السر في ترعرعه على يد ذلك المُسن الذي أنجبه من ظهرة في عائلة شعرية ولها من الحكمة نصيب كبير؟ .

في استهلاليته لأبياته السبع التي فيها من أيام الأسبوع و السنوات السبع العجاف التي مرت عليه فأكسبته الحكمة والتمسك بالسموات السبع وما فوقهما فاستخدم كلمه (قاني ) وفي اللغة العربية قَنَى ( فعل ) :
قنَى يَقْنِي ، اقْنِ ، قَنْيًا قُنْيَان ، فهو قانٍ ، والمفعول مَقْنِيّ قَانَ الْحَدِيدَ : صَنَعَهَ ، سَوَّاهُ ، قَانَ الإِنَاءَ : أَصْلَحَهُ ، وفي لهجتنا العامية تستخدم كلمه ( قانا ) كفعل لتخليص الأشياء المتخبلة مثل الخيوط والغزل و أي شيء مختبل وتطلق على أي اشتباك بين الأشياء ، وقانت أضيف إلى فعلها تاء التأنيث الساكنة بسكون نفس الشاعر الذي تحدث نيابة عنها .

1قانت ودارت صبرها مصروفها
زاد في الغراير فوق من الاحمال

هنا في هذا البيت يتحدث الشاعر عن النفس التي عانت في حل الاختبال الذي تراه و الجميع يقاني غير أن هذه النفس انفردت بالصبر وجعلته مصروفا لها تذخره زادا في غرائرها حتى وإن كان فوق قدرة احتمالها ، والغرائر هي جمع غرارة وهي الكيس الذي يحمله المسافر ويحتوي على زاده وزوادة متاع للسفر .

2 وعضت على يد الوجع من خوفها
جر الكلام ايجيبها لسوال


البيت الثاني فهو دلالة أو سِمة يتسم بها الشاعر عرفتها عنه بحكم صداقتي له فهو مُقل للكلام وإن تحدث أوجز وأصاب هدفه من كلامه فيصمت دهرًا وينطق سِحراً ، فمن النادر جدا أن تجرح مشاعرك كلمة من لسانه هذا لأنه فعلا يعض إصبعه ولا يجرح لسانه أحد بكلمة إلا من استحقها خيفة من ملامة من يُعد لائمتهم .


3 وهي بطنها بيضه مثيل ألصوفها
مابات في صرايرها إلا الحلال

بياض البطن والتصافه هنا كناية عن الرزق الذي يدخل المعدة فالأبيض يدل على الرزق الطيب الحلال ، أما الأسود أبعده الله عنا وعنكم هو المال الخبيث الذي لا يترك وراءه سوى المرض والبلاء والوعيد يوم القيامة .

4 القل دارها غير العصر معلوفها
المال ينخلف ما تنخلف لرجال

( القِلْ دارها ) القل هو القليل من الرزق والرزق هو من عند الله و الشاعر يظهر من خلال استخدامه كلمة ” دارها ” أي فعلها بدون حيلة منا له وهنا تكمن النفس القنوعة بتقاسيم الله لأرزاقه إلا أن الشيء الذي لنا عليه السلطان فهو ” العصر ” وهو عزة النفس و السمو بها بعيداً عن الجشع والطمع الذي يُودي بالشخص لمنزلة دُنيا في منزلته بين الناس وأن المال قد تجمعه بأي طريقة كانت ولكن الرجال الذين يعتمد عليهم لا تخلفهم أشياء أخرى فهم الكنز المُذخر لمثل هذة السنوات السبع العجاف .

5
والايام ديما معبيات ارفوفها
ايجنك بماللي يخطرن عالبال

الأيام دِول و دولاب تتحرك علوًا ونزولاً وهي مليئة بأحداث لا تخطر على بال الإنسان فتحوي الخير والشر والفرح والحزن لا يسعد من يجعلها نصب عينه دائما في سعادته أو حزنه فالتوكل على الله وتسليم قضائه عليه هو الحل الجذري لدوران عجلتها ( الأيام ) .

6 الدنيا اليا دارت اتجي بسيوفها
على أجوادها ادول نصيب انذال


تقلبات الدهر كما أسلفنا في البيت الخامس لا يضمنها ضامن وبؤسها صوّره الشاعر بأنه عدو يشهر سيفة من غمده في وجه الإنسان وعندما يشهر العدو سيفه في وجهك فأي قلب يحتمل صوت صليل السيف وهو خارج من غمده إعلان عن بدء نزال قد تكون أنت الفائز فيه أو ال … لا قدر الله فكم من الخيرين الأجواد قست عليهم سيوف الأيام وأردتهم قتلى أو جرحى ؟



7 ولا يكون عاقلها كذي مخطوفها
(هي) بالوجوه والآخرة بالأعمال !

نصح الشاعر واختتم سُباعيته بنصيحة عن الدنيا الذي استخدم فيها ضمير الغائب ” هي ” ليساعده في صياغة البيت بوزنه و تغييب الدنيا وتجاهلها وعدم الاكتراث لها فيُجاز بها كشاعر وحكيم بل ويؤجر بجملين واحد للنصيحة والآخر لهذه الأبيات الجميلة بنصحه وتخصيصة النصح للعاقل كي لا يكون كديا تعيس الوجه يائسا فالدنيا كما يقول عنها المثل الشعبي الدنيا بالوجوه والآخرة بالأعمال .


شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :