محمود السالمي
قراء فسانيا الالاعزاء :
ليس جديدا ان قلنا ان الاغنية هي الاغنية ، وان التراث هو التراث ، والجميل بل المفضل لدى عدد كبير من مستمعي الاغنية الليبية من الليبيين ان تجمع بين التراث الذى يعطيها دفعة الاصالة وروح الاغنية الحديثة التى تعطى نكهة التطوير والتجديد .. ولعل من اسباب انجذاب المستمع وانجراره نحو اغنية معينة ، وجود الحكاية او الفكرة المعتمدة على السرد كاساس فيها ، ، وهذا الامر ليس جديد ولا هو رهن بالاغنية الليبية الحديثة بل ان كثير من اغاني التراث اعتمدت على هكذا اسلوب ، وهو تضمين الاغنية حكاية تساهم فى اضفاء نوع من التمييز عليها .. وقد تكون هذه الحكاية واقعية وليست من نسج خيال كاتب الاغنية ، وهذا ما يقوله الفنان : احمد محمد جداد عضو فرقة هون للفنون الشعبية وهو يشير بالخصوص الى اغنية ( عند المغرب تقوى ناره ) .. ويروي الفنان احمد جداد حكاية مولد هذه الكلمات فيقول : لقد كنت اعمل فى مدينة سبها ، وكنت كلما جئت الى مدينتى ، اذهب الى الى بيت الفتاة التى نويت الاقتران بها ، وكانت معظم زياراتى لهم وقت المغرب ، وكانوا يقدمون لى الشاي ، وحدث انه فى مرة مكثت فى سبها طويلا وانقطعت عن الزيارة وعند المغرب شعرت بالحنين والشوق اليها ، فجاءت هذه الاغنية :
عندالمغرب تقوى ناره * جرحه هاللى بعيدة داره
وكان ذلك بالتحديد يوم 19 / 6يونيو / 1961 ، وقد تغنى بهذه الاغنية فيما بعد الفنان محمد السيليني ، ومن بعده الفنان التونسية لطيفة العرفاوى ، دون ان تنسب الى قائلها الفعلي او الاصلي ، ويؤكد الفنان احمد جداد على نسبة هذه الكلمات اليه بأحدى الشطرات التى تقول :
بنيران كوانى ** فى حيرة نبرم خلاني
ريدي مولا الدور مثاني ** اللى فيده اليمين امارة
ويضيف قائلا : ان هذه الامارة او العلامة موجودة بالفعل فى يد تلك الفتاة التى هي زوجته الان ، الامر الاخر ان كلمات هذه اغنية ورغم انتشارها الواسع وغنائها من قبل عدد كبير من الفنانين قديما وحديثا لم تنسب الى التراث الشعبي المجهول المؤلف مثلا ، وانما نسبت الى شاعر آخر لقبه القرقارشي ، وحال هذه الاغنية هو حال العديد من الاغاني التى نسبت لغير قائلها وهذا بلا شك سيدفعنا لاحقا للحديث عن مسألة التوثيق لتاريخ الاغنية وكتابها ومواضيعها وغيرها .
• تناولت الاغنية الليبية فى مراحل تطورها المستمر عديد المعاني والموضوعات ومن بين اهم المعاني التى اشادت بها الاغنية واهتم بها كتابها مضمون او معنى ( النسيان ) الذي هو نعمة من نعم الخالق على الانسان لكى يواصل حياته ، انعم عليه بنعمة النسيان ، ولسنا بصدد الولوج فى التفسيرات اللغوية لهذه المفردة فى عالم لغتنا العربية ، ولنذهب معا الى عالم الشعر الفصيح اولا وماذا قال بعض الشعراء فى معنى النسيان ، فنجد ان الشاعر ( ابراهيم ناجي ) صاحب قصيدة الاطلال الرائعة الذائعة الصيت وقوله فى احد الابيات :
لست انساك وقد اغريتني * بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوى كيد * من خلال الموج مدت لغريق
ومن الشعر الفصيح الى الشعر الغنائي لنجد من يقول :
نسيتى اليوم والا تذكريني * رانى مناك عالماضي انشديني
ويقول الشاعر الكبير عبدالسلام زقلام :
لا نسيتك لا الخاطر هانك * ما زال فى قلبي الحنون مكانك
كما يقول ايضا :
انريد ننسى اللى ما ينتسى من بالى * الا هواك لا والنبي ياغالي
ثم من منا لم يطالع :
انشد ياسيد الحلوين * واشغل فكرك مرة بينا
رانا لزولك مشتاقين * وانت من بالك ناسينا
ياسيد الحلوين
انت اللى بالحب بديت * واليوم نسيته من بالك
فكر مرة فيها بكيت * وكان الشوق مذوب حالك
وبعد الدمعة اليوم رضيت * لسهور الليل تخلينا
يا سيد الحلوين
يا مخلينا محتارين * فى غيابك ما يوم فرحنا
لا دمعة كفت من العين * لا ليلة رقدنا وارتحنا
الساعة اللى تمر بيومين * وياريت الهجر اينسينا
ياسيد الحلوين
يوم اللى تلامحنا زينك * من دون الغير اخترناك
لقينا احلى امل عو عينيك * فرحنا بيك وصدقناك
واليوم فقدناه حنينك * تعالا ونجدد ماضينا
يا سيد الحلوين
وبعد ان مررنا فى عجالة على شعراء الفصحى وما قالوه فى مقام النسيان ، مؤكد اننا سنطلع على اغنية العلم فنورد بعض الامثلة فنجدها تقول :
خطر ودار لك مشغال * عزيز قبل ياعين ناسيه
وايضا اخر يقول :
حتى النجم قال انساه * غلا عزيز جا دونه وعر
ونجد ايضا الشاعر الكبير : احمد رامي يقول على لسان سيدة الغناء العربي ام كلثوم :
هجرتك * يمكن انسى هواك * وودع قلبك القاسي
وقلت اقدر فيوم اسلاك ** وافضي من الهوى كاسي
لقيت روحي فى عز هواك ** بفكر فيك وانا ناسي
وهل يمكن ان ينسى من قال :
انا غزالى مردوع الطول * على خده هذبه مسبول
ريته فى عشية * لاقانى بلبسة ليبية
لوعنى ياناس بغية * ما عرفتش نكتم لا نقول
غاب عنى ايام * لا ريته لا بعث لى سلام
اليوم مدة ليالى ما ننام * عليه والله بالى مشغول
ريته متخبل * فى شعره بو عيون تهبل
لا عرفت انبحر لا نقبل * غير واقف سارح مذهول
وفي يوم لقيته * حاكيته بحبي وشاكيته
خذيت قلبي وروحى وعطيته * وحلفته لغيري ما ايقول
وليس غريبا ان نجد فى الامثال الشعبية قولهم ، ما في المنسي خير ، والقوم تنسى خيارها ، او نجد من يقول :
ننساك وتجيبك افكارى ليا * واتصورك لوهام بين ايديا
ويستمر البحث لنجد :
نشدت عليك اشعارى لقيتك * فى موال عطرك ما كميته
فى موال راحل * ديمة غريب من ساحل لساحل
داير بيك من عاجل الكاحل * من عطشان اهاتك رويتك
داير بيت عالى * فى موال صنعاته الليالى
لقيتك فيه يا احلى الغوالي * ذبت معاك وبروحي هويتك
اشعارى ارتاحت * للموال بالمكنون باحت
قبل هواك ياما سنين راحت * ما تهنتش الا بعد ريتك
او قوله :
لا نعاتبك * ولا تقول الاه ** نويت نتركك بينك وبين الله
عانيت فيك كثير ** ما لقيت فى حبك علامة خير
بدل ما نحير معاك وانت تحير * لا موجعة اللى بينا ننساه
واخيرا :
الله ايسامحك ياللى عزيز عليا * عذبتني وشن درتلك من سية
عذبتنى بغرامك * وجعتنى وجرحتنى من لامك
وعليش ياغالى ترد كلامك * وبعين الشماته اضل تشبح فيا
عذبتنى بحبك * وعديت وانت تباعد قربك
هديتنى نحساب صافى قلبك * وانت ثريتك كل يوم بغية
مكتوب ربي راده * قلبى هواك وما نطيق عناده
بنسايرة لين يرجع فمعتاده * والله ايروف قلبك عليه شوية
دمتم سالمين