يـوم طـلـب مــعــمــر الــقــذافــي الــتــرشــح لــلإنــتــخــابــات الإيــطــالــيــة.

يـوم طـلـب مــعــمــر الــقــذافــي الــتــرشــح لــلإنــتــخــابــات الإيــطــالــيــة.

بقلم :: محمد بعيو

هذه قصة واقعية كنت شاهد عيان عليها، ففي بداية العام 1996 وكنت يومها مديراً للإعلام الخارجي بأمانة اللجنة الشعبية العامة للإعلام والثقافة، التي كانت تتولاها آنذاك السيدة فوزية شلابي، تلقيت إشعاراً من {الـقـلـم أو مكتب معلومات القيادة} بضرورة دعوة عدد من الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية إلى لـــيـبـيـــا وعلى عجل لمقابلة الــقــائــد.
كنا آنذاك في زمن الحصار الجوي، وكان الوصول من روما يتطلب السفر جواً عبر تونس جربة ثم براً إلى طرابلس، ورغم ذلك لم تمض يومان حتى وصل صحفيون كبار من الصحف الإيطالية الكبرى {لاستامبا ولا ريبوبليكا و الجورنالي والمانيفستو ووكالة آكي للأنباء}، ومع أن الصحفيين الطليان لم يحصلوا على أية معلومات تفصيلية إلا أن دعوتهم لمقابلة معمر القذافي والحوار معه، والرغبة في الحصول على سبق ربما ظنوه يتعلق بأزمة لوكربي، دفعتهم للحضور معاً رغم طبيعة المنافسة بين وسائل الإعلام، وقد حاول الصحفيون الحصول مني على أية معلومات عن طبيعة اللقاء وماذا يمكن أن يعرض فيه وما يجب أن يعدوه من أسئلة، إلا أنهم لم يحصلوا على شيء يرضي فضولهم، لانني وببساطة لم أكن أعلم شيئاً، ولم أكن رغم طبيعتي الصحفية أكثر من موظف عام يحاول أن يؤدي عمله بمهارة وكفاءة في حدود صلاحياته لا في مدى رغباته.
أبلغناهم بوصول الصحفيين فأبلغونا باصطحابهم إلى سرت بأسرع وقت، فاقترحت وكان الوقت ليلاً أن نتوجه إلى سرت بالسيارات صباحاً وهذا ما حدث، وكان اللقاء عصراً بمقر كتيبة الساعدي في بوهادي الإيطاليون الخمسة وأنا والأستاذ جمعة بالخير مترجم اللغة الإيطالية والخبير بالسياسة الإيطالية والذي تولى بعدي إدارة الإعلام الخارجي فأدارها فترة طويلة بكل كفاءةٍ واقتدار.
ظن الصحفيون أن القذافي سيعطيهم المجال لحوارٍ مفتوح، غير أنهم فوجئوا وفوجئنا جميعاً به يعبر عن رغبته في خوض الانتخابات الإيطالية، باعتباره وفق الدستور الفاشي الإيطالي والذي لا يزال سارياً من مواطني لـــيـبـيـــا المستعمرة السابقة والذين يعتبرهم ذلك الدستور مواطنين إيطاليين، معرجاً على الحصار متسائلاً كيف يمكن للدولة الإيطالية أن تحاصر بلداً لا تزال تعتبره جزءً منها.
غادرنا الخيمة والصحفيون كأن على رؤوسهم الطير، فقد حصلوا على لقاء شخصي مباشر مع الزعيم المثير للجدل والمُحاصر، غير أنهم لم يحصلوا على سبق ولا حتى على خبر رغم أنهم فوجئوا بالرغبة في الترشح التي ربما اعتبروها مزحة من رجل ترسخ في أذهانهم أنه قد يعبث وقد يقتل لكنه لا يمزح.
مياهٌ كثيرة جرت تحت الجسور منذ ذلك اليوم، وسنوات كثيرة مريرة مرت حتى انتهت المماحكات والمفاوضات مع إيطاليا بتوقيع الإتفاقية الليبية الإيطالية التي نظمت العلاقة بين البلدين المتشاطئين متوسطياً، وتوجت باعتذار إيطاليا عن الحقبة الإستعمارية وهو ما رفضته فرنسا مع مستعمراتها الشمال أفريقية الثلاث تونس والجزائر والمغرب، وكانت ذروتها الدرامية تقبيل برلسكوني ليد محمد ابن عمر المختار الذي لم تمض سنة على تلك القبلة إلاّ وكان يجالس الصهيوني هنري برنارد ليفي صحبة مشائخ قبائل وأعيان من برقة في مشهد سوداوي أليم من تاريخنا الحزين.
بلغت العلاقات مع إيطاليا وبين معمر وبرلسكوني درجة من الوثوق والقوة جعلت الأول يستغرب كيف تقبل إيطاليا أن تشارك في الحرب الفرنسية الأطلسية العربية ضده ربيع وصيف 2011، مراهناً أن إيطاليا ستلعب دور حصان طروادة في ذلك التحالف العسكري، وجعلت الثاني يتلو مزامير الندم على تلك المشاركة ولكن بعد فوات الأوان.
اليوم تحكم إيطاليا سلطة يسيطر فيها عضو الحزب الفاشي السابق ألفانو على وزارة الخارجية، والفاشي السابق مينيتي على وزارة الداخلية، ويلعبان على الساحة الليبية بحماس يذكرنا بحماسة أسلافهم موسوليني وجولييتي وغراتسياني وبالبو، فيما لـــيـبـيـــا بلد منقسم على ذاته، بلا دولة، ولا سلطة، ولا سياسيين حقيقيين، ولا دبلوماسيين مخضرمين، ولا بنية مجتمعية متماسكة، ولا أجهزة أمن، ولا مراكز دراسات، ولا مجاميع نخب واعية متخصصة، ولا شيء سوى الفراغ والعبث والسفه، وبقيةٍ من حنين إلى ماضٍ لن يعود ليس فقط لأنه ترك مكانه للحاضر بل لأن الحاضر بلا أي تصور للمستقبل.
كونوا دولةً متوحدة وسلطة موحدة ورؤية واحدة وفاوضوا من شئتم، وابحثوا عن مصالح لـــيـبـيـــا الإستراتيجية الوجودية حيث تكون، حتى وإن كانت في التحالف مع إيطاليا وأوروبا وأميركا عسكرياً، لكن لا تتفاوضوا الآن وانتم ضعفاء متفرقون متشرذمون يحكمكم شذاذ الآفاق والجاهلون والفاسدون.
تــوحــدوا أوّلاً ثـم قــرروا مــا تــرون ومــا تــريــدون ولــيــكــن مــا يــكــون.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :