حامد الصالحين الغيثي
يوما بعد يوم يأكل السهر مُقلتاي، وفيهُن استوطن في مُوطني شبحُ الوحدة، وأصبح يُشيد مُستوطناتٌ خاليةٍ لا تُوحي لك بِرغد العيش، وزج بكياني أسيراً في أماكن اللقاء في مكانِ أول لقاءٍ وجدتُ كُرسياً مُزخرفا بِكل ما هو قد كان معدنا ثمينا، يجذبُ عيناك للمعانهِ من مسافة ميلٍ واحد، مُتوشحاً بِقطعةِ حريرٍ سوداءٌ في لونها، جالساً على بسطتهِ رجُلٌ في العقد الثالث من عمره، تماماً كما يجلسُ الملوك كان ممسكاً بيده كأساً نحاسياً في معدنه ونصل قاعدته قد تخلل بين إصبعيه الوسطى والسبابة، ويبصم بإبهامه على جانب ذلك الكأس، ـ سألته: من تكون..؟ ـ فأجابني: أنا اليأس وأشار بكأسه نحوي وارتشف رشفة ما أطالها حتى رجع بالكأس فارغاً، كأنه يقول لي هذا نخبك، رجعت إلى الخلف متصنعاً العزة والكبرياء، وأنا تتملكني من الداخل حرقة الانكسار في مكان لقاءٍ آخر وجدت الأمل يتدلى في الهواء وحبل يلتف حول عنقه، في اقترابي منه تطلعت إليه فوجدت عينيه مصوبة نحوي كأنها تضع اللوم علي بمقتله، صرخت في وجهه: ـ ألم تعلم بأن شيخوختك كانت قد تقتلك يوماً لو لم تمُت شنقاً…!؟ غادرته راكضاً لا أدري إلى أين سأذهب، وبكاء طفل صغير داخلي يجهش بحرارة ولشدة بكائه حتى فقع مرارة الصبر عندي…! اللعنة… إنه مكان اللقاء الأخير، ومن تكون هذه السيدة ؟ اقتربت والخوف يأسرني، ترى من تكون ؟… ومن هذان الطفلان اللذان تلاطفهما ؟ كانت سيدة شهباء، تجاعيد الشيخوخة ترسم زينة الكهل على وجهها، وأمامها طفلان متشابهان، فجأة نادتني بالاقتراب، فهي قد أحست بوجودي اقتربت وعيناي تنظران إلى الطفلين، سألتها: ـ عذراً، من أنت ؟ ـ قالت: أنا الاشتياق… رفعت رأسها نحوي فوجدتني ألقي النظر على الطفلين، فقالت: ـ إنهما توأم، وهما ولداي، يسبق الأول بدقائق عن الثاني في الولادة… ـ عمرهما 196 يوما، الأول أسميته فراق، وأطلقت اسم وداع على الثاني ـ انظر..! ـ أليسا جميلين…! غادرتها في صمت، وأبت عيناي أن تنساب في دموعها، فقط أخذت مشهد اللألأة والبلورة، وصرخةٌ بداخلي لو أطلقت عِنانها لأصَمْت كل من سمِعها احلولق السواد حول عيناي وذبلت رموشها، وجفت شفتاي وتشققت، وأنهكت قواي وأصبح جسدي يأخذ شكل النحافة، ها هي قد مضت الساعات الخمس الأولى من اليوم 197، وأصبح الموتُ اتجاهي….. يخطو…. خُطواته..!