أنيس البرعصي
مكالمة من رقم مجهول يعتذر عن مغادرته واخلاله بالاتفاق،
بالطبع هو السائق المضطرب
الذي دون رقم هاتفي بعد فشل اقناعه بتكفلي بدفع ثمن كرسي اضافي والراكب الثاني بدفع الآخر لنغادر ..
في الحقيقة الراكب الثاني هو من أفسد الصفقة .. ويبدو أنه قد تحصل على ركاب بالجملة جعلته يتخلى عنا جميعا .. لابأس .. هذا يحدث كل يوم هنا ..
سائق أربعيني نحيل يحمل ملامح تمزج بين الكوميديا والشر
يقف أمام سيارته كقرصان على مقدمة سفينة مسروقة
ويبدو أنه قد حان دوره في قائمة المحطة
لحشو سيارته المشبوهة بالركاب الحمقى الذين سيصدقون بأن سيارته الخاوية متوقفة على راكب أخير لتغادر،
ويبدو بأننا سنتورط به
يبتسم لنا ابتسامة شريرة
بأسنان شبه محطمة تتخللها فراغات تجعل من فمه أشبه ببيانو معطوب ..
صلعته الوراثية التي تتقاسم رأسه مع تسريحة ذيل الحصان ولغة جسده المكتسبة من الأسواق الشعبية
تجعله مألوفا جدا،
ذلك النوع الذي تعرفه لكنك لاتذكر أين رأيت وجهه
ربما في صفحة عاجل ليبيا أو بوابة أمنية مقبوض عليه اثناء فشل محاولته في تهريب مصيبة ما ..
كل مايفرزه من ألفاظ وتصرفات تبرهن أنه قد سجن سابقا ويعاني من مشاكل نفسية ويهوى شراء البضائع المسروقة
.. بإختصار مجرم متقاعد،
عالق في حقبة جون ترافولتا والمصارع هوغن
وأراهن أن نغمة هاتفه موسيقى كوكو جامبو أو شيء من هذا القبيل .. فلنتركه وشأنه ولنصعد معه .. فلا يجد المرء هذه الأيام مادة خصبة للكتابة كهذا بسهولة ..
لم يمض الكثير من الوقت ليملأ سيارته ونغادر ..
يهاتفه أحد أصدقائه .. يسأله عن البوابات والطقس .. ثم يخبره كان تبطلوا شطانة توا تمطر .. يضحك ويغلق الخط..
يتبادل حديث مشفر مع أحد الركاب الذي بدا لنا أنهما على معرفة وطيدة .. وشركاء كيف من ذات الصنف ..
يمر من البوابات بأسلوب ذكي ..
لايخفف السرعة إلا متأخرا ويكتفي بإلقاء تحيته بتلويحة مصحوبة بكلاكس
ويبدل ناقل السرعة بذات اليد التي لوح بها .. وكأنه يعرف أن التوقف والافراط في اظهار الاحترام وتبادل الحديث سيجعله محل شك ويؤخره ..
في بوابات أخرى يكتفي بخفض زجاج نافذته
ويسألهم أولا قبل أن يسألوه عنا :
حمرا ولا خضرا ؟ (يقصد البراد الذي يغلي على الحطب بجانب البوابة )
مع ابتسامته المضحكة،
يجري عملية تمويه تشتت تركيز المتلقي
يسأله عن أشخاص ليسوا في نوبته ليعطي انطباع أنه صديق
يلقي بدعابة في جهة ويغادر من جهة أخرى
إلا هذه البوابة .. التي أمر مناوبيها الغاضبين أن نركن على جانب الطريق
وطلبوا منه الترجل ومرافقتهم للداخل حيث سيفهمون منه الحمرا والخضرا والبرتقالية
هو وراكب آخر كان آخر ماسمعناه منه “اللي هناك في الراس“
قبل أن يبدأ صياحه لطلب جهة مخولة بتفتيشه.
– يتبع