سعيد بو الشنب
في تلك الليلة أويتُ إلى فراشي باكرا. إذ كان عليّ النهوضُ عند الفجر لأستقلَّ القطارَ عائدا إلى العاصمة حيثُ أتابعُ دراستي.
قبلَ أن أخلُدَ إلى النّوم فَكّتْ أمّي عُقْدَةَ شالِها و منحتني خمسين دينارا و اُستبقتْ لنفسها خمسين أخرى. اِضطجعتُ على جنبي الأيمن واضعا كفّي تحت خدّي مُنتظرا نوما لن يأتي.
كنتُ أسمعُ تقلّبها في الفراش يمنة و يسرة ثمّ نهضت بعد ساعتين فأشعلت النّور و حلّت عُقدة شالها و منحتني عشرين دينارا أخرى قائلةً :
–هذا المال كثير و أنت في بلاد النّاس بينما أنا بين أهلي و إخوتك.
عادت إلى فراشها .لم تنَمْ و لم أنمْ إذ كنت أسمعُ توسّلاتها إلى الله كي يحفظني من شرّ الطريق و من أبناء الحرام و من بنات الحرام.
بعد ثلاث ساعات نهضت مرّة أخرى و أشعلت النّور
و فكّت عقدة شالها و منحتني عشرين دينارا أخرى هامسةً:
– ماذا سأفعل بهذا المال؟؟ أنا عجوز طاعنة. و أنت أولى به منّي ..خذهُ.
عند الفجر نهضت و سحبت حقيبتي و خفضتُ رأسي كي أودّعها مُخفيا حبّي و حزني و دمعتي..
انتبهتُ إلى يدها تتحسّسُ الطريق إلى جيبي و هي تعانقني و تدسّ فيه عشرة دنانير…هي كلّ ثروتها الأخيرة.