(قصة قصيرة ) :: أحمد حسن فكرون
رجعت القطعان من المرعى ورجع معها الصبيان ولم ترجع عسيلة معهم, شاع الخبر في أرجاء القرية اجتمع أهل القرية يتداولون في أمر البحث عنها, وعزموا على الذهاب إلى البرية للبحث عن عسيلة , فارس مقبل من بعيد يصيح بأعلى صوته انتظروا … انتظروا .. لقد رأيت عسيلة وهي تدخل وادي( الغوال ), لا أظنها تنجوا من بطشهم, علت الأصوات وكثرت الآراء قال احدهم عسيلة هي بنت القرية ويجب أن نحارب من أجلها وحتى لو كان الغول العظيم, حرك الجميع رأسهم نعم هذا ما سنفعل, قال شيخ القرية الغيلان لا يمكن مقارعتها بالسلاح الغيلان تخاف الذكر والتسبيح.
جمعوا متاعهم وأسلحتهم ودفوفهم وبخورهم وكلهم عزم على محاربة الغيلان حتى ترجع عسيلة فهي ابنتهم وعرضهم, وعند مدخل الوادي اجتمع رجال القرية وأنغام الدفوف ورائحة البخور تملأ الفضاء الملتف حول الوادي.
ولدت عسيلة بجمال رهيب أخاذ غير أنها لم تنطق يوما بحرف واحد, كانت تحبذ الوحدة وتعشق الخراف تصحبها كل يوم إلى المرعى , في إحدى ليالي مزار الشيخ (الدوكالي) سار بها أباها إلى الشيخ لعله يعطيها شيء من البركة, قال الشيخ لأبيها: “احذر فتنة عسيلة ولا تصدق الأقاويل فيها وعند سفك دمها تعقل وتحلى بالحكمة”.
كانت كلمات الشيخ تتردد كل ليلة في أذن والد عسيلة, كان يخشى عليها ومنها, يظن أن هذه هي الفتنة التي حذر منها الشيخ وبدأت خشيته في أن يضيع شباب القرية موتا في حرب الغيلان.
ومع إشراقة الشمس لم تخرج عسيلة من بطن الوادي, حارت الوجوه وتعرقت الجباه ماالذي سنفعله الآن؟, قال قائل منهم: إن لم تهرب الغيلان فهي الآن منهكة من ورد ليلة البارحة يجب الدخول للوادي وإخراج عسيلة حية أم ميتة, وافق الجميع الرأي تحزموا بالسلاح ودخلوا الوادي.
كان الوادي يعج بقطعان من غزلان الريم؛ وعسيلة تلاعبها وتمرح معها, ابتهج الجميع وقالوا يا بشراه صيد وفير, وعرضنا مصان, صاح فيهم الشيخ لا تقربوا الغزلان الآن لنأخذ عسيلة إلى القرية ونعود في الغد نصطاد منها ما نشاء.
عادت عسيلة للقرية في فرحة عارمة, وعند الصباح جاءت غزالة إلى بيت عسيلة صاحت بأعلى صوتها جاءتها عسيلة وركبت ظهرها وغادرتا القرية, عندما دخل رجال القرية للوادي للصيد وجدوا عسيلة أمام قطعان الغزال لتمنعهم من صيدها, علت الأصوات ما بين مطالب بالعودة وآخر يطالب بالصيد.
ووسطت زحمة الآراء وكثرت الأصوات انطلقت رصاصة من إحدى البنادق لتخترق صدر عسيلة وتتقاطر دماؤها لتسقي الأرض حزنا,واصطف الرجال صفان صف ليثأر لعسيلة وصف يدافع عن القاتل, تذكر والد عسيلة كلمات الشيخ وقف ما بين الصفين مناديا: أيها الناس أنا ولي الدم ولا داعي للقتال, قاتل عسيلة عليه الخروج من بيننا لينال جزاءه ونعيش من بعده قرية هادئة سالمة, وبين مد وجزر في هذا الرأي أتت غزالة مسرعة لتغرس قرنيها في صدر القاتل.