نهاية الحس الوطني الليبي ( على المحك )

نهاية الحس الوطني الليبي ( على المحك )

قصي البسطامي

من المؤكد أن الإحساس بالوطنية يكون ناتجا عن تعبئة هذا الحس من خلال التمسك بالموروث الشعبي – كما أن دور وزارة الثقافة يتلخص في تعبئة الفراغ الذي ترك مهتوك العرض أمام الثقافات الأخرى، إن انتشار وسماع الموسيقا الغربية والأغاني الأجنبية والخليجية تقلل من إحساس المواطن الليبي بل إن الذوق العام في الداخل يتغير نتيجة لعدم وجود موروث ثقافي موسيقي وفني يكون منشؤه من ثقافة المجتمع نفسه، إن أي تقليل من هذا الشأن ينتهي به المطاف إلى تفتت المجتمع وتغير طباعه وسلوكه وذوقه العام واتخاذ بدائل أخرى خارج الثقافة المحلية، بل يرى أن المعيار الفني والغنائي لا وجود له في ليبيا ويرى بأن الأغاني القديمة الليبية لم تعد تواكب الموضة الحضارية في وقتنا كالنجع والشعبي والمرسكاوي وفن الزكرة إلخ ، وقد يكون هذا الرأي راجحا إذا قللنا من اهتمامنا لمنتوجنا الغنائي الشعبي وفننا الشعبي .

وأصبح فنا لم يستألف عند الأجيال الجديدة الناشئة فهي بطبيعة الحال ستفضل الأغاني العالمية والموسيقا العالمية المختلطة بفنون شتى، إذا ركزت وزارة الثقافة على دعم الفرق الفنية والموسيقية والأشعار والأناشيد الشعبية وضخت بدعمها ماليا ستكون الوزارة في محل وزارة دفاع ضد الغزو الثقافي من الخارج ، لست في صدد الحديث عن التحريم والمنع وإبطال سماع الموسيقا العالمية إذ هذه ليست من خصال من يود إصلاح المجتمع فالمنع والتحريم مهما كان سبيلا ضعيفا نحو التغيير ، التغيير لا يكون إلا بإعطاء بدائل داخل السوق المحلية ولتعزيز الأفراد بالتمسك بوطنيتهم أكثر وإضفاء صبغة إيجابية على الأرض التي يعيشون عليها من الغريب أيضا أن نرى أن بعض الناس يرون أن الموسيقا حرام والفن حرام والأغاني حرام إلخ من هذه الادعاءات الزائفة التي دمرت الذهنية الليبية وشوهتها وجعلت منها مقصلة لقتل ماضيها وثقافتها وحاضرها ، وهذا التحريم والتكبيل والتضييق يضع العواطف في محل الاغتراب عن أرضه وشعبه وثقافته فيفر إلى ثقافة أخرى وإلى الدفاع عن بلد آخر وتتوجه نزعته الوطنية أو الانتمائية نحو مصدر أقرب إليه، إما من ناحية القبيلة أو من ناحية منفعة مادية استثمارية في الخارج، فيرضى بمن يسب وطنه أمامه أما من يسب تركيا أو السعودية أو قطر أو الإمارات أو أي دولة أخرى شرقية كانت أم غربية يستفيد منها ماليا أو ينتمي لها عرقيا فنراه يدافع عنها أكثر من دفاع عن بلده ليبيا -.

إن ليبيا يا حضرة السادة انتهكت من جميع النواحي انتهكها الأجانب وانتهكت من قبل أبنائها عبر تقديم الولاءات النجسة لبلدان أخرى لا تراهم إلا في محل الأداة وليسوا في رتبة إلا رتبة الصعاليك، لوضع أقدامهم على أرضهم . بودي أن أوجه رسالة أخرى لمن كان يقرأ هذه السطور إن العلاقة بين الأمن القومي ووزارة الثقافة علاقة كبيرة جدا تتداخل فيها الأجهزة والأدوات مع بعضها لحفظ الأمن والاستقرار في البلد، وإن رأينا دور الأمن القومي ووزارة الثقافة في بلد أخرى مثل فرنسا على سبيل المثال، فإننا سنرى أنهم يحافظون على مستوى معين من الذوق العام واللباس العام واللغة المشتركة أي اللغة الفرنسية المشتركة بينهم فيما إذا كان هناك كلمات أجنبية أو إنجليزية تنطق في الشارع الفرنسي – سرعان ما يعالج الأمن القومي هذه المسألة ويقلل من عدد القنوات التي تبث بالإنجليزية وتتحرك وزارة الثقافة لتمويل الفرق الموسيقية والفنية حتى لا تكون أي نسبة دالة فوق الحد المسموح به على وجود خط واصل بينها وبين ثقافة أخرى خاصة من دول كبرى يمكن أن تشكل خطرا على مصالحها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فأين ليبيا مثلا من هذا الكلام كله ، ونحن وي كأننا نعيش في عصر الظلمات.!

نحن نرى أيضا أن ثقافتنا الدينية باتت مربوطة بمشائخ من دول أخرى وهذا الارتباط قد حل نتيجة ضعف أو قلة وجود مشائخ محليين ملائمين لثقافة مجتمعنا الليبي فيدركون ويعرفون الحلال من الحرام بحسب معايير مجتمعنا الليبي وفي الفقه الإسلامي نجد أن الفقه يراعي ثقافة الشعب وموروثه ولا يتدخل إلا في بعض المسائل الشاذة فيه أما باقي ما هو مسموح به فيمكن تركه بل واستحسانه إن كان مقبولا حسب القياس في أصول الفقه ولكن للأسف نقص المشائخ المحليين وانتماء أغلب التبع من الشباب لمشائخ خليجيين خارج عن بيئتنا قد كانوا محل النقيض دائما وضد ثقافتنا المحلية لكون أن مشائخ الخليج يجهلون ثقافة المجتمع الليبي والأتباع يرون بعيون مشائخهم أن الموروث الشعبي الليبي هي بدع ضالة مضلة وأن الاحتفال بعيد المولد بدعة ضالة وأن أكل العصيدة بدعة ضالة وأن سماع الموسيقا بدعة ضالة، غير مدركين أن هناك ماهو مباح في الدين إن استحسن استعماله فليس كل بدعة تعني الضلال فالبدعة المستحسنة محببه وكما قال النبي من سنة سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها . ربما يقودنا الحديث عن الثقافة إلى التعمق فيما هو أبعد لأن الإشكاليات الثقافية التي لدينا والتي نعاني من ضعفها هي السبب في جعل هذا الوطن بيئة طاردة غير مستقرة لا حسيا ولا ماديا فبالتالي هذا الموضوع جدا حساس وقد يستغرق الأمر الاستقرار السياسي والبدء في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لتحقيق هذا المبتغى والعمل على إصلاح الفساد والكسل داخل هذه الوزارات التي لم تعد صالحة لا لحماية المواطن وتوفير مأكله وملبسه وراتبه بل من ناحية إحساسه بوطنه وتاريخه وأصالته وفنه وشعره وتراثه وعرفه المحلي

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :