Libya and the global enduring disorder
ترجمة وتلخيص: سالم أبوظهير
المؤلف والكتاب

فولفروم لاتشر مؤلف كتاب *”ليبيا والفوضى العالمية المستمرة” Libya and the global enduring disorder ، متخصص في شؤون دراسة النزاعات المسلحة وبناء الدولة، ويركز بشكل خاص على ليبيا. وهوأحد أبرز الخبراء الدوليين في تحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ليبيا بعد ثورة 2011م، وهو متحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هومبولت في برلين، وركزت أطروحته على العلاقات بين الدولة والمجتمع في ليبيا. أما الكتاب فقد صدر في عام 2021م عن دار Oxford University Press ، وهي واحدة من أبرز دور النشر الأكاديمية في العالم.
محتويات الكتاب
الفصل الأول: إرث القذافي
أستعرض تاريخ ليبيا تحت حكم القذافي، ووضح كيف أن نظامه كان قائماً على سياسة مركزية شديدة القمع، تعتمد تهميش المؤسسات الوطنية وتقويض أشكال الحكم المؤسسي، مشيراً الى استخدام القذافي لشبكة معقدة تهدف للحفاظ على ولاء القبائل ، التي زرع القذافي من خلالها بذور الانقسام عبر تفضيل بعض المناطق والقبائل على غيرها. وكيف ترك القذافي ليبيا بلا مؤسسات قوية، مما جعلها عرضة للانهيار بعد سقوطه. وكيف أن سياساته الاقتصادية التي ركزت على توزيع ثروة النفط بشكل غير عادل خلقت فجوات كبيرة بين المناطق الغنية والفقيرة، وهو ما أصبح أحد مصادر التوتر بعد ثورة فبراير.
الفصل الثاني: ثورة 2011 وما بعدها
الفصل الثاني تناول الأحداث التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة ضد القذافي في 2011، وما تلا هذه الانتفاضة التي سعى القذافي لقمعها، من تدخل عسكري لحلف الناتو والعواقب التي نجمت عن ذلك. يقيّم هذا الفصل الرواية السائدة التي تصور الثورة الليبية كمجرد حركة شعبية نابعة من تطلعات ديمقراطية، ويقدم تحليلًا نقديًا لهذه الرواية بدلاً من ذلك، فيبرز أن الانتفاضة كانت نتاج تراكم طويل الأمد لمشاكل اجتماعية واقتصادية عميقة، مثل انتشار الفقر وارتفاع معدلات البطالة والتهميش السياسي الذي عانت منه قطاعات كبيرة من المجتمع.
وأكد المؤلف عبر هذا الفصل الى انه وعلى الرغم من الدور الحاسم الذي لعبه الناتو في الإطاحة بالقذافي، إلا أن غياب رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية التي تلت ذلك، أدت الى حدوث حالة من الفوضى العارمة، مستدركاً أن الجهود الدولية افتقرت إلى خطة استراتيجية واضحة لإعادة بناء مؤسسات الدولة، مثل الجيش، أو توحيد الميليشيات المسلحة، أو إصلاح الاقتصاد المتدهور، ونتيجة لذلك (بحسب الكتاب) فقد تحولت ليبيا إلى ساحة صراعات دامية بين جماعات مسلحة متنافسة، كل جماعة تسعى لتعزيز نفوذها والسيطرة على الموارد والمناطق الاستراتيجية، مما فاقم الأزمة وأدى إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد.
الفصل الثالث: الميليشيات والقبائل والسلطة المجزأة
استعرض هذا الفصل، الدور المؤثر للميليشيات المسلحة والقبائل الكبيرة في تشكيل الوضع السياسي في ليبيا بعد الثورة وضح كيف تسبب انهيار الدولة المركزية في خلق فراغ سياسي كبير منع تداول السلطة، ومهد للميليشيات المسلحة بالسيطرة على مناطق واسعة واستراتيجية من البلاد، متتبعاً كيف تغولت هذه المليشيات لتتحول بعضها إلى هيئات شبه حكومية تديرشؤون المدن، وتفرض الضرائب، وتتكفل نيابة عن الدولة بقديم بعض الخدمات الأساسية، مما يعكس تحول دورها من مجرد مليشيات مسلحة إلى لاعبين سياسيين واجتماعيين. أما القبائل، فقد أشار المؤلف الى انها كانت ولازالت تلعب دور الوسيط التقليدي في النزاعات، وأصبحت طرفًا مؤثرًا في الصراعات السياسية والعسكرية في ليبيا. وحذر الكاتب من اعتبار القبلية حلاً للأزمة الليبية، مشيرًا إلى أن استخدامها كأداة سياسية أو عسكرية قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات بدلاً من تحقيق الاستقرار. ومن خلال هذا الفصل، يبرز المؤلف جملة من تعقيدات المشهد الليبي في ظل غياب أي سلطة مركزية حقيقة فاعلة وقادرة على فرض النظام واستعادة الاستقرار.
الفصل الرابع: التدخل الإقليمي والدولي في ليبيا
في الفصل الرابع، تناول المؤلف تأثير التدخلات الإقليمية والدولية على الأزمة الليبية، موضحًا كيف أصبحت البلاد الليبية ساحة لصراع المصالح بين قوى عالمية متنافسة. فقد دعمت بعض الدول، مثل مصر والإمارات، خليفة حفتر في الشرق، في حين ساندت تركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني في الغرب، مما ساهم في زيادة حدة الانقسامات الداخلية
وعلى المستوى الدولي، يقرر المؤلف عبر هذا الفصل الى ان روسيا سعت إلى توسيع نفوذها في المنطقة عبر تقديم دعم عسكري ولوجستي لقوات حفتر، بما في ذلك إرسال مرتزقة لتعزيز موقفه. وفي المقابل، ركزت الدول الأوروبية والولايات المتحدة على قضايا مثل الحد من الهجرة غير النظامية وضمان استقرار إمدادات الطاقة، دون تقديم حلول حاسمة لإنهاء الأزمة الليبية . ويخلص هذا الفصل الى ان هذه التدخلات المتباينة والمتعارضة أدت إلى تعقيد الوضع في ليبيا وزيادة حالة عدم الاستقرار، فأصبحت البلاد ساحة لصراعات تخدم أجندات خارجية، مما أسهم في إطالة أمد الأزمة وعرقلة أي جهود حقيقية للتوصل إلى حل متفق عليه وتسوية سياسية شاملة.
الفصل الخامس: النهب الاقتصادي وحروب الموارد
في الفصل الخامس، ركز المؤلف على البعد الاقتصادي للأزمة الليبية الراهنة، وأشار إلى أن الصراع على عائدات النفط كان أحد العوامل الرئيسية في استمرار الحرب. ووضح كيف أن الميليشيات والمسؤولين الفاسدين استغلوا الموارد النفطية لتمويل عملياتهم، مما فاقم الأزمة الاقتصادية وزعزع الثقة في الحكومات الليبية المتعاقبة. كما سرد المؤلف العواقب الإنسانية لهذه السياسات، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ونقص الخدمات الأساسية. ويرى المؤلف أن الفساد والنهب الاقتصادي ليسا مجرد نتائج جانبية للأزمة، بل هما جزء أساسي من المشكلة التي يجب معالجتها لتحقيق السلام والاستقرار.
الفصل السادس: آفاق السلام والمصالحة
أستعرض هذا الفصل إمكانية إنهاء الأزمة الليبية واستعادة الاستقرار في البلاد. موضحاً أن بعض الجهود الدبلوماسية، كالحوار الليبي الذي أُجري برعاية الأمم المتحدة، حقق تقدماً ملحوظاً، ومستدركا أن هذه الجهود لا تزال قاصرة عن تحقيق حل دائم وشامل. كما سلط هذا الفصل الضوء على أهمية تبني نهج شامل يعالج الجذور العميقة للأزمة، والتي تشمل ضعف المؤسسات الحكومية، التفاوت الاقتصادي، والانقسامات الاجتماعية العميقة.
ولم يغفل مؤلف الكتاب على ان يؤكد على ضرورة أن تتم محاسبة المسؤولين عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، وعلى إشراك كافة مكونات المجتمع، بما في ذلك النساء والشباب والفئات المهمشة، في عملية صنع القرار. إلى جانب ذلك، حرص المؤلف على أهمية تعزيز دور المجتمع الدولي من خلال نهج أكثر تنسيقاً وشفافية، بعيداً عن المصالح الضيقة التي قد تعيق تحقيق سلام حقيقي ودائم..
الخاتمة: دروس ليبيا للعالم
في خاتمة الكتاب، أكد المؤلف على أن الأزمة الليبية ليست مجرد حالة محلية معزولة، بل تعكس واقع الفوضى العالمية المتصاعدة، مما يجعلها تجربة تحمل في طياتها دروسًا مهمة لبقية العالم. ويرى أن معالجة مثل هذه الأزمات لا يمكن أن تتم من خلال الحلول المؤقتة، بل تتطلب تحولًا جذريًا في طريقة تعامل الدول والمجتمع الدولي مع النزاعات.
كما شدد المؤلف عبر هذه الخاتمة على أن بناء مؤسسات دولة قوية وفعالة هو الأساس لتحقيق الاستقرار، إلى جانب ضرورة التصدي للأسباب العميقة التي تؤجج الصراعات، مثل التفاوت الاجتماعي والاقتصادي وغياب العدالة. كما يسلط الضوء على أهمية الاستثمار في جهود الوقاية ومنع تفاقم الأزمات قبل تحولها إلى نزاعات مدمرة، محذرًا من التدخلات الخارجية غير المدروسة وما تحمله من تداعيات خطيرة.
ومن خلال دراسة التجربة الليبية، فقد قدم الكاتب رؤية تحليلية معمقة تسلط الضوء على استراتيجيات يمكن أن تساعد المجتمع الدولي في التعامل مع التحديات المعقدة التي يواجهها اليوم، وهذه الرؤية ليست مجرد نظريات، بل تقدم حلولًا عملية تسهم في بناء عالم أكثر استقرارًا، قائم على قيم السلام والتعاون الدولي.