بقلم :: محمد بعيو
يعرف الليبيون عنواناً وحيداً لأموالهم هو مصرف لـــيـبـيـــا المركزي، لأنه خزنتهم التي تستودع مبيعات النفط، والودائع النقدية والنقود الورقية والعينية، وتحفظ مدخلات واحتياطيات العملات الصعبة، وتُصدر وتطبع وتوزع عملتهم المحلية، وهذا بالطبع دور وواجب ومسؤولية المصرف المركزي وفق القانون والأصول، لا يُشكر إذا قام به ويُلام إذا قصّر فيه، والمصرف هنا وبهذا المفهوم والواقع أقرب إلى أن يكون جهازاً خدمياً، أو هيئة نفع عام منه إلى أن يكون مؤسسة إنتاجٍ للثروة، أو استثمار للأموال أو تنمية مباشرة للدخل الوطني، خاصةً مع اضطراب البلاد وانكماش الاقتصاد وسيطرة الفساد.
لكن الليبيين لا يعرفون حقائق وأوضاع الصندوق السيادي الذي وضعت فيه الدولة وبالقانون جزءً مهماً من ثروتهم الحقيقية أموالاً أكثرها بالدولار وجزء منها بالدينار، بغرض استثمارها وتنميتها ودفع ونفع الاقتصاد الوطني بعائداتها وأرباحها ،وتنويع مصادر الدخل القومي بما يقلل الاعتماد المطلق على العوائد المباشرة لبيع النفط والغاز، وخلق جيل من الخبراء في إدارة وتفعيل الاقتصاد والاستثمار، وضمان مستقبل الأجيال القادمة، وحقهم في ثروة وطنهم التي ليست حكراً على الحاضرين.
هذا الصندوق الذي تمت عملية تنظيمه القانونية وهيكلته قبل فبراير تحت إسم {المؤسسة الليبية للإستثمار}، وبرأسمال مدفوع يبلغ نحو سبعين مليار دولار شاملاً ما كان يُعرف بالاستثمارات الخارجية، والاستثمارات النفطية، مضافاً إليه ما يعرف بصندوق الاستثمار الداخلي برأسمال نقدي بلغ أحد عشر مليار دينار.
وكان متوقعاً أن يرتفع رأسمال المؤسسة وأصولها باستمرار من خلال عوائد استثماراتها قصيرة ومتوسطة الأجل، وما تقرر الدولة إضافته إليه من فوائض الموارد، وهذا لم يحدث بالطبع، فقد تكفلت فوضى ما بعد فبراير بإهدار الاحتياطيات المتاحة والدخول المضافة، وتخريب إدارة المؤسسة الليبية للإستثمار وتقسيمها وتعطيلها مثلما تم تخريب كل المؤسسات الاقتصادية [التي لم يتبق منها سوى مصرف لـــيـبـيـــا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وبهما يتربص المتربصون ويجهز الفاسدون سكاكينهم لذبحها وتقطيع أوصالها والتهامها]، وتكفل التماسيح الفاسدون المتوزعون بين دبي ومالطا ولندن وغيرها، بإهدار أموالها وتبديد أصولها وإهمال قضايا النصب المرفوعة منها ضد النضابين وضدها منهم، ولعل ما سمعه وتأكد منه الليبيون بخصوص وضع الحكومة الأوغندية يدها على شركة لاب غرين للإتصالات المملوكة للمؤسسة وضياع نحو مليار دولار هي استثمارات الشركة الفاشلة في مجال الاتصالات بأفريقيا، هو فقط رأس جبل جليد الخسائر والفساد والضياع وما خفي وما سيظهر قريباً أشنع وأبشع.
هل يعلم الليبيون أن المصروفات الإدارية السنوية لمكتب شركة لاب غرين الذي كان يديره من دبي وفيق عبدالرحمن الشاطر ببضعة موظفين يتجاوز العشرين مليون دولار، وأن الشركة عندما غرقت وأفلست تم بيعها إلى الشركة الليبية القابضة للإتصالات التي يرأسها الدكتور فيصل أحمد قرقاب، والذي هو عضو في مجلس إدارة الشركة التي اشتراها أي أنه باع لنفسه ما لا يملك بيعه وما لا يستطيع شراءه، بموافقة صديقه وداعمه فائز السراج، ودون أي نظر للإعتبارات الاقتصادية ولا إقامة أي اعتبار للشعب الليبي المالك نظرياً لأموال صندوقه السيادي الاستثماري، ولا الأخذ في الاعتبار تردي أوضاع وخدمات الاتصالات والأنترنت في الوطن كله، وحاجتها إلى ضخ استثمارات حقيقية ذات جدوى وليس شراء شركة مفلسة، في ظل تفكك وفوضى وانقسام المؤسسة الليبية للإستثمار المالكة للشركة المشتراة.
سبعون ملياراً من الدولارات ضاعت أو تكاد ومعها مليارات الدينارات لو كانت حققت عوائد لكان وضع اقتصادنا أقل سوءً وحال عملتنا أفضل ولو بقليل.
هذه المقالة التي هي دخول مباشر إلى عش دبابير اللصوص هي فاتحة مقالات تناول الكثير من الحقائق عن أموالنا الضائعة، ليعرف الليبيون أين أوصلهم انهيار الدولة وغياب السلطة وسيطرة العملاء وسطوة اللصوص، ومن كانت لديه المعلومات والحقائق عن هذه القضية الوطنية الخطيرة أرجو أن يزودني بها أو ينشرها للشعب الليبي، لعله ينهض من سباته، وينتفض على صمته، قبل أن يتحول لا سمح الله إلى شعب من القتلة والمقتولين والمتسولين.
وكم أتمنى ولا زلت لو أن لدينا مؤسسة قضائية فاعلة ونيابة عامة قوية، لتعتبر هذا النص بلاغاً تفتح حوله تحقيقات جدية، لكن للأسف هذا قد لا يحدث فكم من ملفات خطيرة كتبت أنا وغيري عنها، دون أن يحدث أي رد فعل تجاهها، ربما لأسباب لا أعرفها لكن لا يمكن قبولها ولا تبريرها إلاّ إذا كانت النيابة تعمل لحماية أمواله والشعب لا يعلم.