افتتاحية فسانيا
والوطن يتخبط سياسياً واقتصادياً، وفكرياً، هاهو ينتعش ثقافياً، معادلة غريبة تدعوا للتساؤل: هل الثقافة رديفة المعاناة؟
وهل صحيح أن الكاتب الحقيقي يغمس ريشته في مداد وجعه وأوجاع الآخرين؟
وأن أعظم الأعمال الفلسفية والفكرية هي نتيجة طبيعية للتساؤلات الوجودية الكبيرة والعميقة التي لازالت البشرية حتى هذه اللحظة تبحث عن إجابات شافية لها تروي عطشها الأزلي للمعرفة.
قد يعتقد بعضنا أننا نتحدث هنا عن شعارات، ونسوِّق لدعاية لا تقارب الواقع الليبي ولا تنطبق عليه، ولكن فلنُمعن النظر قليلاً ولنكنْ منصفين، ألا تحاول النخبة المثقفة والوطنية في هذا البلد على قلتها التغريد خارج سرب العبث والغوغائية؟
ألا تسعى جاهدة لبث الحياة في جسد يلفظ أنفاسه في كل حين؟
منتديات ثقافية وفكرية تُدار على بُعد أمتارٍ من حلبات السياسة ومرمى النيران في مختلف المدن الليبية بلا استثناء، تاناورت بنغازي، دار الفقيه حسن، منتدى السعداوي بطرابلس، منتدى ألوان الذي أعلن إشهاره أيضاً، مكتبة اليونسكو بسبها، ترفع شعارات الوطن والحب والغد الأروع، لتعلن الهيئة العامة للثقافة بالعاصمة عن طباعة 500 عنوان لكتَّاب ليبيين سيشكلون إضافة لرصيد الثقافة مهما تفاوتت مستويات العطاء والإبداع فيها.
مطبوعة أنيقة تعود للصدور عن مكتب الثقافة بمدينة بني وليد الجميلة.
صحيفة ليبيا الإخبارية تنفض غبار العراقيل وتعود ببهاء مطلق.
تكريم واحتفاء بالكاتبات الليبيات بمكتبة طرابلس العلمية العالمية.
زيارات مغلفة بالوفاء لمن عشقوا الوطن والقلم والكتاب والفن وأركنتهم ذاكرة الجحود والنكران.
تشرف عليها الهيأة العامة للثقافة، فهل ستكون المرحلة القادمة من عمر الوطن ثقافية بامتياز؟ وهل سندرك أخيراً أن لغة السلاح أبعد ما تكون عن بناء الأوطان؟ وأن الحراك التنويري الثقافي قادمٌ لا محالة؟ وأن زمن التدخل العسكري قد ولّى؟ .
وعلينا أن نتدخل جميعاً ثقافياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في جسد الوطن.