الشخصية الليبية … (التقليد)

الشخصية الليبية … (التقليد)

  • د :: سالم الهمالي

غضب الحاج محمد غضبا شديدا .. اعتبر العرض الذي قُدم له فيه إهانة بالغة واستهتار بالجهد الكبير الذي بدله في انتاج اكثر من الف قِنطار من (البصل)، مُنفقا لآف الدنانير وعشرات العمال وشهور يُمنِّي نفسه بثروة طائلة، يجنيها من بيعه، متوقعا انهم سيعرضون عليه على الأقل أربعة دنانير للكيلو الواحد، وإذ بهم يقولون “عشر قروش” … قال بصوت حانق وهو يمسك برأس بصل كبير:
– عشر قروش يا اللي ما تحشم .. عشر قروش ما جابن حتى حق الزبل اللي خلّن هالراس تقول (شمامه) … عيب عليك، هذا كلام ما ينقال !!

في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي اضطربت الحالة الاقتصادية في البلاد، فإلغاء التجارة وتطبيق الاشتراكية الجديدة أخلّ بميزان السوق الذي يحكمه قانون عالمي .. (العرض والطلب)، وصادف ان العام الماضي تميز بنقص شديد في زراعة البصل، حتى ارتفعت أسعاره الى شيء خيالي خمسة دنانير للكيلو الواحد، بل فاق السبع في بعض الأحيان.
كان ذلك من حظ الحاج ميلود، فهو الوحيد الذي زرع عشر جداول بصل، وبين عشية وضحاها وجد الطلب على البصل يفوق الخيال، وما ظن انه سيبيعه بعشر قروش اصبح بخمسة دنانير وفي مكانه .. ذاك العام اصبح الحاج ميلود حديث الساعة، قليل من الكلام على حرب تشاد وأغلبه المليونير الجديد الحاج ميلود !

وكعادة الليبيين في (التقليد)، ما من مزارع في الجنوب إلا وعنده جداول وجداول من البصل، والحاج محمد أكثرهم، لانه سخر كل امكانياته في البصل الذي سيصبح مع نهاية موسمه المليونير الحاج محمد ..

انتهى بصل الحاج محمد كومة كبيرة بجانب الطريق، تنبعث منها رائحة كريهة، بعد ان تخمرت وتعفطت، شاهدا على عزته وكبريائه الذي لا يسمح له بقبول الإهانة، وهي من استشارة عقله وعمل يده !!

اَي عمل او مشروع ناجح في ليبيا، يتلوه موجة عارمة من (التقليد)، سواًء كان ذلك دكان او مقهى او فندق او مصحة او تجارة من الصين او بيع عملة او تهريب بنزين او زراعة طماطم او استحداث كلية او تسمية جامعة او انشاء مليشيا او دخول ابنك او بنتك كلية الطب… او او او .. انت فقط جرب وانجح، والباقي كما يقول الليبيين (ورا الضالين آمين، وما حد خير من حد).

قضية (التقليد) ليست محصورة فقط بما ذكرت، فبالله عليكم هل رايتم الزي الليبي يلبسه المصريون او المغاربة او الخليجيون ؟!.. فيما تحتار وانت ترى العبايات بدل الفراشية والجلابيب بَدل السورية، وكأن الشعب الليبي ليست له حضارته وعاداته وتقاليده الضاربة في اعماق التاريخ.

في احد الأعوام اتصل بي صديق طرابلسي يسألني عن (الدوائر)، ولبرهة ذهلت: عن اَي دوائر يتحدث فانا لست بمهندس كهربائي، وإذ به يطلب معلومات عن الدوائر الزراعية، موضة العقد الاول من هذا القرن في الجنوب. حتى كبار كبار رجال الدولة، الذين يحلبون ضرعها من تحت الشمال شاركوا موجة التقليد، مئات الدوائر لزراعة القمح والشعير والبرسيم، بدون اَي دراسة للجدوى الاقتصادية واحتياجات السوق وغيرها من ابسط متطلبات الاستثمار الاقتصادي .. انها عادة (التقليد) الليبي.

– كيف الناس لا باس !

أما فطحل الاقتصاد فكان اكثر براعة، بتقليده مشية الحمامة، استطاع ان يقنع شركات (عالمية) للاستثمار في ليبيا بتنفيذ شبكة من الإنفاق في العاصمة، فهي بالتأكيد ليست بأقل من لندن او باريس او برشلونة او حتى القاهرة ….. والمواطن غارق بين أكوام القمامة، ينتظر في أتوبيسات الهضبة طول !!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :