برغم ان القبيلة لعبت دور كبيرا في فرض الاستقرار والامن في فترة زمنية ما ولا زالت ؛ إلا ان هنالك فجوة عميقة تكفلت دوغمائية بأن تملاها ، فكان من نتاجها الموت لا بسط الامور اذا ما قيس ذلك على مدى عظمة الانسان وقيمته .
فجوة جعلت العديد من القبائل تعتنق حزمة من الافكار تستميت في الدفاع عنها ، بالرغم حتى من عدم ايمانهم بتلك الافكار إلا نهم رأوا فيها ، طريقاً للوصول الي القمـة الرفاهيـة الاجتماعيـة والتصدر والقدرة علي المنافسـة فيها ، ويعزز ذلك مثل واقعى التجربة ، فالقبائل التي تتفق نخبها وقياداتها على ايدولوجية واحدة ،
او تجمعهم “رؤية واحدة للنظام الحكم ” لا يمكن لهم بأي حال من الاحوال ، ان تحدث بينهم صراعات مسلحة ،بالصورة التي رأتها أعيننا مهمة كانت الاسباب ،وعادةً ما تتلاشي بينهم عصبية القبيلة وشرف الانتماء، بينما نرى عكس ذلك بمجرد سوء تفاهم او حديث عابر قد يحدث بين افراد قبيلتين متضادتين في الفكر .
وان ما يصعد حدة الصراعات بتلك الوتيرة ، هو انغماس ما يمسى بالنخب والاكاديميين بالمجتمعات التي تستند في تركيبتها العميقة الي القبيلة كـ طرفا متطرفاً في معادلة النزاع او الصراع ، وهو احد اهم اسباب انتقال مشاجرة عابرة ، الي صراع سياسي ثم الى عسكري يلجئ فيه الاطراف جميعاً نحو الاحتكام الي فوهات البنادق في نهاية المطاف وهذا ما شاهدناه بالتمام والكمال
مما دفع العديد من النخب الداعية للديمقراطية الى نبذ سلوك القبيلة إلا انهم واقعون في فخها اذا ان بنيتهم وقوامهم وانتخاباتهم مبنى على القبيلة فاغلب المؤسسات بالكاد تكون مؤسسات وراثية بما فيها مؤسساتهم المدنية .
وبرغم من ذلك كله ، اذا قمنا بمقارنة بسيطة نستبعد منها الدول العربية وتجربتها في الديمقراطية ، لكونها مازالت تسيطر على اغلبها القبيلة ، حيث أن القرارات المصيرية والحاسمة تصدر بطريقة ليس لها أي علاقة بالديمقراطية ،بل تصدر غالبا من شيوخ القبائل وأعيانها .
المقارنة بين بنية الديمقراطية في الدول الغربية “سلطة المال”، وبين سلطة القبيلة في ما مدى اتساع دائرة المشاركة على كافة الصعد، سنجد ان سلطة المال بالكاد اسوء من الديكتاتوريات على الاطلاق؛ وذلك لضيق دائرة مالكي الثروة ومحتكريها ، وهو ما يعطي لسلطة القبيلة
ميزة نسبية على سلطة المال نظراً لاتساع دائرة المشاركين. ومع هذا تضل سلطة المال اكثر بريقاً .وذلك لا سباب كثيرة منها
براعة رجال الاعمال على ايهام المحكومين بانهم يشاركون في السلطة ، وظهورهم الدائم بالمظاهر الخداعة، حتى انهم لديهم القدرة على القتل بدم بارد الى الدرجة التي يكون فيها احدهم بطل لا رواية، يصعب فيها ايجاد الفرق بين المشهد العاطفي ومشهد القتل .
وهذا ما يدفعنا الى التساؤل هل الصدام هو الاصل في طبيعة العلاقة بين القبائل ؟ام الصدام جاء نتيجةً رغبة الحكومات باحتوائها اذ كانت القبيلة يوما ما جزءاً من الحل وليس المعضلة ؟
ضل البعض يحاول باستمرار ، شيطنة القبيلة و التي ساهمت عبر العصور في تحقيق التقدم والازدهار والتفاهم للبشرية وذلك لأنهم ينظرون إلى البشر كأفراد لا كجماعة .
ولنكون اكثر قربا من الاحاطة بمرمى الموضوع، فخلقناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ، هو العرف الاجتماعي السائد ،هدف ، ومقصد للخليقة بالهام من الخالق سبحانه ، اما مسألة الصدام ،او التصادم ،او الاختلاف او المواجهة ، هي تضل مغروسة بالنفس البشرية ،من خلال جملة ا لانا والاستقواء ،والتكبر ،والسيطرة و الأنانية ، التي تؤدي إلى حب مفرط للذات ،ومن ثم انحطاط الأخلاقي ، ولا شك أن وراء كل معضلة انهيار ما ، سواء كان في العقيدة، او في أخلاق مرتكبيها فالحكام يستغلون القبيلة ، لخلق منافسة بينه وبين أنداده ، في سبيل تمويه الجميع ، وذلك لضرب الصف من اجل ابعادهم عن رأس السلطة ، حيث يقربون القبيلة “كذا ” ويبعدون الأخرى ،بأسلوب بشع يتنافى مع أبسط مبادئ الإنسانية
وكانت الحقبة الماضية والحالة الواقعية التي استعرضنها انفاً خير دليل ذلك ، وللأسف مازالت تمارس بطرق ابشع من الماضي ،برغم من ظهور المدنية . وحينما نغوص في التاريخ ايضاً نجد حرب عززتها بريطانيا على أهداف كل الاواصر ، حيث قامت بتأليب القبائل واستئثار قبيلة ما بالحكم ،واخرى بالاقتصاد، وهكذا على هذا النحو، وكله يخدم قضية التصادم التي تصب بمصلحة انظمة الحكم حالياً و” الاستعمار ” قديماً
القبيلة أفضل أداة من أدوات السلم والأمن والتفاهم على كافة الأصعدة، ولكن البعض لا يدرك هذه الحقيقة لسيطرة السياسيين وبعض الرجالات الاعمال ،على مقاليد الأمور والتي بذلت كل ما في وسعها لإظهار هذا
الكيان الطبيعي في صورة المؤسسة الشاذة ، المنحطة المتخلفة التي تعيد الامم الى عهود ما قبل البعثة ، ولكن هل حافظت القبيلة على كيانها ومبادئها المعروفة في ضل هذه التغيرات المتسارعة ؟ ام انها اضمحلت وحل محلها كيان هجين يحمل اسم القبيلة ستاراً لا فعاله ؟.
محمد أحمد الانصاري