كتب السفير :: جمعة إبراهيم
التّوَاجُدُ فِي شَرْقِ وَوَسَطِ أفْرِيقْيَا
لعبت القوى الاستعماريةالسابقة دوراً واضحاً لتغلغل الإسرائيليين في شرق أفريقيا فقد ساعدتهم بريطانيا على التواجد في كينيا وفي ” تنجنيقا ” تنزانيا حالياً ، أما في أثيوبيا فتعود جذور العلاقات الأثيوبية الإسرائيلية إلى بداية تأسيس دولة اليهود حيث صنفت أثيوبيا على أنها حليفٌ إستراتيجيّ لإسرائيل نظراً لما بينهما من روابط عرقية تعود إلى وجود آلاف اليهود الأثيوبيين المعروفين بالفلاشا الذين استقطبهم الإسرائيليون فهاجر الآلاف منهم إلى إسرائيل إبان حكم الرئيس الأثيوبي الأسبق منغسيتو هيلاماريام وبمساعدة الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري .
تتركز الاستثمارات الإسرائيلية في أثيوبيا على قطاع الكهرباء ،وتشير التقارير إلى أن هناك عشرات الشركات الإسرائلية تنفذ مشروعات في مجال زراعة الزهور وتصنيع المنتجات الزراعية وهو ما أعلنه وزير الزراعة الأثيوبي بقوله إن بلاده تتطلع إلى الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي تمتلك التقنية الحديثة في مجال الزراعة ، وجاء في أحد التقارير أن الحكومة الأثيوبية دعت الشركات والمستثمرين الإسرائيليين لتنفيذ خططها لتشييد وحدات سكنية وبناء وحدات صناعية واستصلاح أراضٍ زراعية ومنها شركة ” نتانيم ” التي تنفذ مشروع زراعة قصب السكر، وهناك شركات إسرائيلية تعمل في بناء سد النهضة بالقرب من بحيرة ” تانا ” المنبع الرئيسي لنهر النيل الذي تصل سعة بحيرته التخزينية إلى (74) مليار متر مكعب من المياه وهو مايؤثر على حصة مصر والسودان من المياه واستعمالها عند اللزوم وسيلة ضغط سياسي على هاتين الدولتين .
بدأت العلاقات مع كينيا بمجرد استقلالها عام 1964 وتركزت على المجالين العسكري والأمني ، ففى عام 1976 ساعدت المخابرات الكينية القوات الإسرائلية الخاصة في تحرير المخطوفين الإسرائيليين في مطار عنتبى الأوغندي ، وفى عام 1978 باعت إسرائيل للجيش الكيني سفنا حربية ومعدات عسكرية ، ويوجد في مدينة نيروبي أكبر مكتب للاستخبارات الإسرائيلية الموساد ،وخلال الزيارة التي قام بها الرئيس الكينى ” اهورو كنياتا ” إلى القدس عام 2016 تم توقيع اتفاقيات للتعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب وفي مجال الزراعة والمياه والريّ والبنية التحتية والطاقة والصحة العامة . مع أوغندا شهدت العلاقات شيئا من التحسن بعد حرب عام 1967 وأيضاً في بداية عهد الرئيس عيدي أمين الذي تلقى تدريباً عسكرياً في إسرائيل لكنها سرعان ما تدهورت بشكل دراماتيكي فطرد الرئيس أمين الدبوماسيين الإسرائليين من كمبالا وسلم مقر سفارتهم لمنظمة التحرير الفلسطينية لكن إسرائيل تآمرت عليه وساعدت الرئيس الأوغندي السابق ملتون أبوتي في الإطاحة به بدعم من الجيش التنزاني إبان فترة حكم الرئيس جوليوس نيريري وفي عهد الرئيس الحالى يوري موسيفيني زار مسؤولون أوغنديون كبارا إسرائيل أكثر من مرة في إشارة إلى ما وصل إليه مستوى التعاون السياسي والاقتصادي، ولإسرائيل نشاط استثماري فى أوغندا يتمثل في مشاريع للري في أكثر من عشر مقاطعات .
شمل التعاون بين إسرائيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية عدة مجالات منها تشجيع المستثمرين اليهود للبحث عن الْماس وتجارته وتنفيذ مشروعات زراعية متنوعة بالإضافة إلى التعاون في المجال العسكري حيث يتولى ضباط إسرائيليون تدريب عسكريين كونغوليين وقامت إسرائيل في عام 2010 بتدريب وتسليح الحرس الشخصي للرئيس جوزيف كابيلا ، وقد تمدد التوسع الإسرائيلي في شرق أفريقيا فشمل دولة جنوب السودان وجمهورية رواندا حيث اتفقوا مع الحكومة في جوبا على تنفيذ مشروع لاستصلاح الأراضي في جنوب البلاد ، وفي رواندا شيد الإسرائيليون مشروعاً كبيراً لتوليد الطاقة يكفى لإنارة آلاف المنازل . من الواضح أن التواجد الإسرائيلي المكثف في دول منابع نهر النيل شرق القارة ووسطها ومدها بالمساعدات والهبات والخبرة والتقنيات في بناء السدود ومنها سد النهضة في أثيوبيا له دلالات في غاية الخطورة منها أن تعزيز العلاقات مع هذه الدول سيضع في يد الإسرائيليين ورقة رابحة يستعملونها لممارسة الضغوط السياسية وابتزاز الدول الواقعة على ضفاف مجرى النهر وعند مصبه وتشجيع دول المنبع تحديداً على المطالبة بتطبيق مبدأ الرئيس التنزاني الراحل جوليوس نيريري الرافض للاعتراف بالاتفاقيات التي أبرمت قبل استقلال دول الحوض والمطالبة بالمخاصصة المتساوية في مياه النيل وحثها على رفع سقف مطالبها إلى مستوى أن تدفع مصر والسودان ثمن مايصلهما من المياه ضغطاً عليهما للقبول بإعادة النظر في الاتفاقيات التي تحكم تقاسم مياه النهر . هذه الاتفاقيات هي اتفاقية عام 1902 التي أبرمتها بريطانيا نيابة عن مصر والسودان مع إمبراطور أثيوبيا ملنيك الثاني الذي تعهد بعدم إقامة أية منشآت على بحيرة تانا والنيل الأزرق ونهر السوباط إلا بموافقة مصر والسودان ، واتفاقية عام 1925 بين مصر المستقلة وبريطانيا بوصفها ممثلة للسودان وأوغندا وكينا وتنزانيا ونصت على عدم إقامة أي مشروع على النيل أو روافده أو البحيرات الاستوائية إلا بعد إخطار وموافقة مصر كما نصت على أن حصة مصر من مياه النيل (48) مليار متر مكعب سنوياً وحصة السودان (4) مليار متر مكعب سنوياً وأخيراً اتفاقية عام 1929 التي نصت على زيادة حصة السودان إلى (18,5) مليار متر مكعب سنوياً وزيادة حصة مصر إلى (55,5) مليار متر مكعب سنوياً . في شرق أفريقيا يشكل البحر الأحمر هاجساً أمنياًً وإستراتيجياً لإسرائيل فهو المنفذ الأقرب لها في الاتصال بدول شرق القارة وجنوبها ، ولذلك سعى الإسرائيليون على الدوام لإيجاد موطئ قدم في هذا الممر البحري ، وللحيلولة دون بقاء هذا البحر بحيرة عربية تركزت إستراتيجيتهم على توطيد علاقاتهم مع دول القرن الأفريقي وخاصة أريتريا حيث دعموا نظام الرئيس إسياسي أفورقي منذ استقلال أريتريا عن أثيوبيا عام 1993فأصبحت هذه الدولة حليفاً إسترتيجياً لإسرائيل حيث يتواجد في أسمرا المئات من الضباط الإسرائيليين لتدريب الجيش الأريتري .
علاوة على ذلك هناك معلومات متداولة تؤكد على أنه بتأييد من أريتريا دعمت إسرائيل الحركات المناوئة لنظام الخرطوم سواء في جنوب السودان قبل استقلاله أو في منطقة دارفور ، وأثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الأريتري إلى القدس عام 1996 تم التوقيع على اتفاقية للتعاون الأمني ، وهناك تقارير صحفية تشير إلى أن الحكومة الأريترية منحت إسرائيل تسهيلات عسكرية تمكنها من التحكم في قاعدتين عسكريتين داخل أريتريا وفي الجزر الأريترية في البحر الأحمر إحداهما للتصنت والأخرى لتزويد البحرية الإسرائيلية باحتياجاتها من المؤن والوقود .
فى شهر نوفمبر 2016 قام بنيامين نتنياهو بزيارة إلى أربع دول في شرق أفريقيا هي أثيوبيا ، وأوغندا ، وكينيا ، ورواندا رافقه في هذه الزيارة عدد من رجال الأعمال يمثلون أكثر من خمسين شركة متخصصة في مجالات مختلفة الأمر الذي يكشف عن طموحات إسرائيل في تعزيز علاقاتها مع هذه الدول ، والظاهر يشير إلى أن للزيارة أهدافا اقتصادية حيث تم خلالها التوقيع على عديد الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية ، لكن الحقيقة هي أن لها أهدافا أخرى يأتي الجانب الأمني في مقدمتها لاسيما جعل دول المنطقة مركزاً للاستخبارات الإسرائيلية لمعرفة مايدور فيها خاصة أنشطة الجماعات الإسلامية المتطرفة وتفادي هجماتها مثلما حدث منذ عقدين حين تعرضت المصالح الإسرائيلية والأمريكية للخطر ومنها الهجوم الذي شنته مجموعة متطرفة على مجمع ” وست غيت ” في نيروبي الذي يمتلكه أحد المستثمرين اليهود وأيضاً تخفيف الضغوط الأمنية التي تتعرض لها دول المنطقة من أنشطة حركة الشباب الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة .