- عمر الطاهر
مواطن صالح يدب على هامش الطريق ، امنياته العظيمة أساسيات العيش ، الخبز و الماء ، و قليل من الزيت للفانوس ، حتى تضيء الغرفة المعتمة ، مثل هذه السنين ، لإعداد حقنة الأنسولين و وجبة العشاء .
أينما وجهت ناظريك ، تلمح البؤس جاثما على الوجوه ، مثل القمامة في الطرقات ، بعض المواطنين المغلوبون على امرهم ، يسطنعون الرضى و يبتسمون تكلفا ، و الآخرين مبعثرين على ارصفة الشوارع ، و الميادين اليتيمة و بعضهم يسير نحو اللا مكان و البعض ينفث دخان الاراجيل حينا و حينا يجتر تكهنات الفضائيات الرديئة و يردد على مسامعنا الأباطيل .
جدران المدينة العريقة تعتريها الشقوق ، ألوانها شاحبة تشبه ملامح الموتى ، تحتضن في يأس بقايا روافع البناء ( السقالات ) القديمة و نظرات الناس تدعو للشفقة و ربما حتى البكاء ، أثقلت اجفانها هموم الحياة ، و أثر السعادة قد غادر محاجرها الحبلى بالدموع ، أحاديثهم الناس مقتضبة ، عبارات من جمل فعلية صماء تصف الحال و تصطبغ بالشكوى من ضنك العيش الذي ارهقهم ، حناجرهم ملأى بالعبرات و نبرات اصواتهم يخالجها الحزن العميق الغائر في النفوس .
الحياة هنا صورة للموت و انتظار النهاية ، ترقب لحتوف يكتنفها الغموض ، تعددت اسباب الموت في ارجاء الوطن المكلوم ، من قتل بالانفجارات و الشظايا و خطف و تعذيب و جثث مكبلة ، و ذوو الحظ فيهم من يؤخذ منه ماله منه جهارا نهارا ، و يخلى سبيله في الحال دون طلب فدية ، و سيء الحظ الساعي لرزقه يقتل في الطرقات .
صفحات الفيسبوك ملأى بالسرقات الجسورة في الضحى و الظهيرة و في عز الزوال .
أرق يا صديقي أرق ، يكتنف عيون القابعين في ديارهم يترقبون اخبار الصباح الاولى و ما تحمل من مفاجآت تعيسة ، عن ( سيارة ) سرقت ليلة البارحة ، عند الفجر ، موعد الاتقياء و اللصوص تحت جنح الظلام .
لم يعد الناس يؤمنون بنهاية تجيء تحمل البشرى ، مكللة بالزغاريد ، و الوان الفرح الزاهية ، و قهقهات الاطفال ، و ابتسامات العذارى ، بعد ليالي الاحزان الطويلة طيلة السنوات العجاف .
غادرت المسرة شوارعنا ، لم نعد نسمع مواكب الافراح تجوب المدينة ، لم تعد فرقعة الألعاب النارية تنثر زينتها في دامس الظلام لتنير مساءآت المدينة الكئيبة .
السياسيون ليس في جعبتهم سوى خطابات الوعيد و الوعيد ، بأن القادم حرب ضروس ، تفتك بالاعتداء و الابناء ، و تمحو البيوت عن ظهر الأرض ، لتنتشر العوائل في المدارس ، دون فرش و غطاء .
حرب ضروس تنتظر الوطن ، حرب الليبيين على الليبيين ، حتى اصبح المواطن و الوطن ، دون امل ، و كأن وطننا ليبيا على هامش الحياة .