- فسانيا :: راضية موسى
أنفقت ليبيا، ما يزيد عن مائة مليون يورو مقابل علاج أطفال التوحد بالخارج خلال السنوات العشر الماضية، وسط عجز المراكز الحكومية المتخصصة والتي لا يزيد عددها عن ثلاث مراكز منتشرة في ليبيا، ولا ينضوي أيًّا منها تحت القطاع الصحي، في علاج ما يقارب 4000 طفل من ذوي طيف التوحد، يقطن 1800 طفلًا منهم في المنطقة الممتدة من مدينة مصراته إلى رأس اجدير.
وأمام تفاقم ملف علاج أطفال التوحد بالخارج، ارتأت وزارة الصحة عدم جدوى علاج هذه الفئة بالخارج، فقرار إنشاء أكبر مركز حكومي متخصص لعلاج وتأهيل أطفال طيف التوحد في منطقة شمال إفريقيا، ضمن سلسلة من الإصلاحات والمبادرات التي أطلقها الوكيل العام “محمد هيثم عيسى” قبل عامين، للنهوض بالقطاع الصحي في ليبيا. وأشار المقترح الذي قدمه الوكيل العام رئيس المجلس الرئاسي حول إنشاء أول مركز طبي تابع لوزارة الصحة متخصص لتأهيل أطفال التوحد، إلى أخطر المراحل التي يمر بها أطفال التوحد ممن يتم إيفادهم للعلاج بالخارج، والمتمثلة في فقدان المهارات الاجتماعية واللغوية الأساسية التي يكتسبها الطفل على يد طبيب من مجتمع آخر، وما قد يترتب عنها بعد عودة الطفل إلى بلده، وتلقيه أنماطاً اجتماعية أخرى ولغة أخرى، ما يزيد في عزلته ويستوجب بدء علاجه من جديد.
هذا وسيقدم المركز الجديد والذي سيجري افتتاحه خلال الأيام القادمة، خدمات التدخل المبكر باستخدام أحدث الاختبارات التربوية من خلال الاستعانة بفريق متعدد التخصصات، كما سيقدم أيضًا خدمات تشخيصية عن طريق (اختبارات الذكاء، اختبارات سلوكية، مهارات الحياة اليومية والوظيفية ومهارات التخاطب) بما يساهم في تحسين سلوك ومهارات الأطفال ذوي اضطراب التوحد ويمكنهم من اكتساب مهارات الاستماع والفهم والمهارات الحركية والاعتماد على الذات وصولًا إلى إدماجهم في المدارس العامة أثناء مراحل التعليم المختلفة. وسيقوم المركز كذلك بتقديم خدمات تربوية للأطفال من سن الـ 4 حتى 12 سنة وفقا لأحدث البرامج التربوية العالمية بما يتناسب مع قدرات وخصائص كل حالة، فضلًا عن تقديم خدمات تأهيلية وخدمات مساندة علاجية ووظيفية وعلاج طبيعي وسلوكي، من خلال فرق متخصصة تعمل على توعية أهالي الأطفال لتسهيل دمجهم اجتماعيا وأكاديميا. وكانت وزارة الصحة قد افتتحت عيادات للكشف المبكر خلال السنتين الماضيتين لحصر الحالات من مختلف مدن ومناطق ليبيا وإصدار بطاقات لهم، تمهيدًا لعلاجهم داخل المركز الجديد بعد افتتاحه، وبعد الدعوات التي أطلقتها وزارة الصحة للمواطنين لتسجيل أبنائهم بعيادات الكشف المبكر، بلغ عدد الحالات المسجلة بالعيادات 883 حالة، فيما بلغ عدد الحالات المسجلة عبر الموقع الإلكتروني للمركز على شبكة الإنترنت 1500 حالة، ومؤخرًا قدمت ملفات 250 حالة أخرى للتسجيل عبر عيادات الكشف، وفقًا لما ذكره مدير المركز “خالد النجّار” .
وفيما يتعلق بتأهيل الكوادر المتخصصة للتعامل مع أطفال التوحد وتقديم الخدمات التأهيلية والطبية لهم، أوفدت وزارة الصحة على المدى العامين الماضيين فرقًا طبية وأخصائيين نفسيين واجتماعيين للخارج لتلقي برامج تدريبية، كما تحصلت إدارة المركز على العديد من الاستشارات من مراكز عربية ودولية متخصصة في علاج وتأهيل أطفال التوحد في كل من مصر والأردن وبريطانيا خلال الفترة الماضية. وكان الوكيل العام قد ذكر في كلمة ألقاها خلال حضوره أحد البرامج التدريبية التي نفذتها وزارة الصحة للكوادر الطبية المتخصصة لتقديم الخدمات العلاجية للأطفال بالمركز الجديد، في أغسطس الماضي بطرابلس، أن المركز الوطني لتشخيص وتأهيل أطفال التوحد لن يكون مركز ترددي فقط، بل سيكون مركز إيوائي مكتمل ومتخصص يعتمد التقنيات العلاجية الحديثة وأشبه ما يكون بالمدينة المتكاملة التي ستمنح للحالات الشديدة فرصة وجود مرافق معها أثناء فترة العلاج. وأشار وكيل عام وزارة الصحة إلى اهتمام “رئيس المجلس الرئاسي” بإدماج أطفال التوحد في التعليم العام بما يحقق المساواة بينهم وبين أقرانهم، مؤكدًا أن الوزارة ستعمل وبالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية على تقديم خدمات علاجية متميزة لأطفال التوحد.