- البانوسي بن عثمان :: البوانيس :: سبها
لقد جاءت مفردة (عقل الصحراء) عديد المرات . في مجّمل ما تناولته تحت عنوان (بهدوء . عن جائحة التصّحير والتصحّر والصحراء) . فبهذه المفردة كنت اُشير الى الاداة التى تبلور على يدها العقل الاجتماعى لصحراء جنوب وشرق المتوسط . ذلك العقل الذى شكّلته وصاغته . الظروف البيئية الصعبة . التى تكتنف في الغالب بل ودائما . صحراء جنوب وشرق المتوسط . حيت الشُح في موارد الحياة الضرورية . والندرة في الكلاء والماء حدّ العدم في الغالب . وان شأتم وعلى الدوام . ففى هذه الظروف القاسية صِيغ وشُكل العقل الاجتماعى بالصحراء . ليكون في حالت اسّتنفار دائم . في مواجهة الموت . والتلاشي من على وجه الحياة .
ففى بيئة تكتنفها كل هذه المشقّة . فليس من فرصة للكائن الاجتماعى ان يبقى حيا . ما لم يُصيغ ويُبرّمج كيانه . بحيثيات تُمكنه من عبور التصحير والتصحر والصحراء . فليس ثمت وجود لخيار ثالث في هذه البيئة . خارج ان تكون غازا او مغّزو . غانما او غنيمة بين فكّيي الأخر .
فمن صلب هذه البيئة القاسية . جاءت الكيانات الاجتماعية المغلقة والمنّغلقة على نفسها (القبيلة) . والتى يتأمن بها وبداخلها للكائن الاجتماعى . قدر من القوة . ومن ثم الشعور بحد ادنى من الامن . في داخلمحيط واسع . يرى في الاخر خطر داهم . او فرصة سانحةللفوز بغنيمة محّتملة . ووجبة دسمة . وفى احسن الاحوال في الاخر . منافس غير مرغوب فيه .
فبيئة الوفرة والسعة واليسر . في تقديرى . ستصيغ وتنتج عقل اجتماعى مختلف . فهى بيئة لم تعانى الشح والندرة في ضروريات الحياة . فقد ظهر هذا الفارق مُبكرا . حتى في الصياغات السماوية . التى جاءت كرسالات لأهل الكتاب . والتى تناولت هذا الكائن الاجتماعى في بيئات مختلفة . فسنجد الصياغات . التى تتناول هذا الكائن الاجتماعى. في رسالة المسيح عليه السلام . ذات ايقاع يتوافق مع بيئة الوفرة . حيت فضاء رسالته في الارض . التي تفيض لبن وعسل . في حين نجد رسالة الاسلام . جاءت بإيقاع يتوافق مع بيئة الشح والندرة . حيت جغرافية الصحراء القاسية .
كنت احاول ان اصل بالقول . بانه في بيئة تعمّهاالوفرة واليسر والسعة . يكون من الخطل الظاهر . الاجتهاد في برّمجة العقل الاجتماعى. الذى يسّتوطنها بمفردات صحراء البؤس . والسعى نحو استدعاء وحضور تلك المفردات العجفاء . لتضلماثلة وعلى نحو دائم في حياة الناس .ففى ذلك خطر على الكائن الاجتماعى. وبيئة الوفرة التى يسّتوطنها . لان في ذلك استدعاء لثقافة الغنيمة في بيئة ليست بيئتها . وهو عمل لا يقل في شيئي . عن محاولة لتجّريف الوفرة والسعة واليسر . واحلال لصحراء التيّه وتوّطينها . كبديل ملعون ليعصف بحياة الناس.
ولهذا شاهدنا مع بدايات سبعينات القرن الماضى . عندما توالى اسّتقدام موجات من الوافدين . لتوّطينهم بالجنوب الليبيى . من فضاءات جنوب الصحراء . شاهدنا من يقف رافعا صوته من داخل مدينةسبها حينها . مطالبا بإعادة تأهيل هذا العقل . الذى صاغته الصحراء القاسية . قبل ادماجه فى الفضاء الاجتماعى. لجغرافية الجنوب الليبيى . ولأمر ما . لم تجد صيّحته تلك اذن صاغية . فكان ان ذهب الجنوب وليبيا الى ما انتهيا اليه .
واستطيع القول . بان كل ما جاء في ما سبق . لا يقف عند عقل الصحراء وفقط . بل نستطيع سحبه على كل عقل مغلق . وان تباينت واختلفت المرتكزات . التى وبالاتكاءعليها قد ثمت صياغة هذا العقل المغلق وبرمجته . وجعلت لآلياته . مرجعيات يسّتلهمها . اثناء تفاعله مع محيطة القريب والبعيد . ومع اختلاف هذه المرتكزات . قد يظهر هذا العقل المغلق امامنا . وهو يتلفّع بلفافة من قماش . تُغطى رأسه . ليتقي بها شمس الهاجرة . التى تلهب صحراءه بشُواظ من قيض . او قد يأتي هذا العقل في وجهه الاخر . وهو مُتزمّل عمامة افغانية . وبيده سوط . في واحد من المربعات القاتمة لخط تدرجات لوّنه الواحد .
واعتقد بعد كل هذا . بان التأزم الليبيى . يُراد له . من خلال الاصرار على تمريره بين أيادي مخرجات الصخيرات وعرّابها . ان ينتهى ويسّتقر الى الثنائية . التى جاءت بها مفردات الصورة المرسومة اعلاه . والتى تستطيع مخرجات الصخيرات وعرّابها . من جر الليبيين وبها . الى محاكات النموذج الأفغاني في ثنائيته (لوياجوركا- طلبان) . ولكن . لن يكون لهم بهذا البتة . التأسيس لوطن . يُدار بمؤسسات تجد وتجتهد وتعمل على انزال مفهوم دولة المواطنة . الى واقعهم المضطرب . لان ذلك وبمختصر القول . لا ينهض الا على عقل منّفتح . يرى في الاخر شريك . لا على عقل يتغدى على ثقافة الغنيمة . او اخر . يرى في الاخر من الفيئة الضالة التى تحتاج الهداية . واعاود لاقول لا خيار امام الليبيين . للوصول الى ذلك . من غير الولوج اليه عبر بوابة الجغرافية المحلية و المستندة على الاقليمية .