- حاوره :: سالم الحريك
قد يحمل العنوان شيئاً من التشاؤم ولكنه لا يكتب الأدب السوداوي ويترك للقارئ حرية التقييم والتذوق الأدبي ، كانت بداياته بسيطة على حكايا والدته مما جسد في ذاته شخصية القاص وأعطى للقصة مكانة خاصة لديه تنوع في قراءاته بين الشرق والغرب فمنحه ذلك توازناً أدبياً حتى يكون الكاتب الإنسان لا الكاتب المؤدلج صاحب القوالب النمطية. عشق القراءة و الكتابة و أبحر في عوالمهما و كافح طويلا كي يصل إلى ماهو عليه وعبر محطاتٍ من المعاناة و التعب حتى يطرق ابواب القارئ ما قبل زمن ” الفيس بوك و مواقع التواصل الاجتماعي”.
بداية. من هو أحمد المؤذن وكيف تقدم نفسك لقراء صحيفة فسانيا؟.
أحمد المؤذن هو إنسان بالدرجة الأولى تستطيع رؤيته عند محطة انتظار الحافلات أو في ندوة ثقافية ! عشق القراءة والكتابة و أبحر في عوالمهما ، كافح طويلا كي يكون وعبر محطاتٍ من المعاناة و التعب حتى يصل إلى القراء ما قبل زمن ” الفيس بوك ” و هو اليوم يعتبر نفسه ككاتب لا يزال يتعلم في مدرسة الثقافة و الحياة.
حدثنا عن الظروف والعوامل التي صنعت وصقلت شخصية أحمد المؤذن الإنسان قبل كل شيء ثم أحمد المؤذن القاص والروائي؟
واحدة من هذه الظروف التي صقلت شخصية المؤذن في اعتقادي الأسرة المتواضعة التي تربيت فيها و الحالة المعيشية كمحطات حياتية وما جرى فيها ، كلها كانت بمثابة تدريب على مواجهة الحياة و صعوباتها ، فقد تركت أثرا في نفسي أحسنت استثماره. أما ” المؤذن ” بصفته كاتبا فإن عالم الكلمة لم يفرش له الطريق بالورد مع بداية المشوار ، محطات من المعاناة و الحرب التي كانت تترصده بغية إحراق أحلامه ولكن الإصرار و الإيمان بالهدف هو من حقق الانتصار. فقد سبب الله تعالى الأسباب و حقق المؤذن الكثير من أحلامه ككاتب عربي لا يزال يواصل مسيرته ورصيده الأول الذي يعتز به هم القراء قبل أي شيء.
على ذكر القراءة كيف كانت بداياتك وبمن تأثر أحمد المؤذن في قراءاته المختلفة سواء من حيث الأسلوب ربما أو القضايا والفكر أو المجال الأدبي؟
البدايات جزء كبير منها كانت مرويات الوالدة ( السيدة نجيبة ) حيث كانت تروي الكثير من قصص الموروث الشعبي ، وهذا هو ما شكل الشغف عند المؤذن بالحكاية قبل مرحلة المدرسة. مرحلة المدرسة هي اتصال بعالم مختلف وانفتاح على تعلم القراءة و الكتابة و الاهتمام بحصة التعبير ومع تخطي مراحل التعليم صارت عوالم القصة هي الأقرب للقلب. تأثر المؤذن بالكثير من الكتاب مثل ( تشارلز ديكينز ، جبرا إبراهيم جبرا ، نجيب محفوظ ، إرنست همنغواي ، عبد الله خلفية ، وغيرهم. حيث تشكلت معالم التجربة التي أردتها أن تصب في المحيط الإنساني بعيدا عن أي عناوين أيديولوجية من هنا أو هناك و هذا ما أكسب المؤذن احترام القارىء العربي كما أرى مرويات الوالدة كما أسلفت وكُتَّاب متنوعون بين الشرق والغرب.
كيف يتشكل ذلك في فكر وأدب الكاتب البحريني أحمد المؤذن الحالي؟
من الصعب طبعا شرح تشكل بنية الكتابة ولكن يبقى هناك خيط يربط العديد من العناصر التي تدخل في هذا الخليط الكيميائي والذي يولد أحيانا على هيئة نص شعري أو قصصي أو حتى مقال صحفي. الكتابة تأخذ الكاتب لجهات كثيرة وهو في نهاية المطاف يوجه أشرعته حسب القناعات التي يتبناها بهذا الشأن و ما التأثيرات التي صاغت تجربته إلا بمثابة دروس تضاف إلى خبرة الكتابة ، كلها تقدم الكاتب بما يحمل من موضوعية قيمية.
تقول بأن الشباب هم من يقود الأدب اليوم كيف ذلك برأيك خصوصا ربما والكثير يرى وجود تدنٍ وتراجع كبير في مستوى الأعمال الإبداعية نوعا ما حيث كتب بعض النقاد عن ذلك؟
وجود قامات أدبية في الساحة لا يعني أنه ليس هناك متسع للأقلام الشابة الجديدة كي تكتب و تجرب لتبحث لنفسها عن مكان تحت الشمس ، على أحسن التقديرات لو كان لدينا من بين خمسة كتاب شباب ثلاثة منهم تميزت تجاربهم وواصلت نجاحها ، في رأيي هذا نجاح يمكن أن يضيف للساحة الثقافية. ثم إن الحكم على الأعمال الإبداعية الشابة ، يخضع لجدية التجربة بحد ذاتها في مواصلة القتال للفوز بقلوب القراء و الكاتب ذو الخامة الجيدة سوف يفرض صوته في النهاية ، الناقد ربما لا يكترث بتجربة الكاتب الشاب أو يضع رهانه عليها وهذا الأمر ينبغي أن يلتفت إليه الكاتب المبتدىء ، من المهم مواصلة الكتابة و البناء الذاتي و بعدها يتراكم فعل النجاح .
تقول بأن المثقف عندما يقف على الحياد يكون الضحية الأولى. أي ثمن يدفعه المثقف بسبب حياده في المواقف المختلفة التي تعصف بمن حوله وهل تراها عزلة محمودة؟
أكثر هذه الأثمان التي يدفعها المثقف من عمره و كرامته عندما لا يحصل على التكريم من وطنه ، عندما تتم تعريته من ملابسه في مركز حدودي أمني إلخ من مواقف تريد إذلال المثقف و تقزيمه كي لا يكتب! المثقف إنسان بالدرجة الأولى و عندما لا يجد هواء الحرية يذوي كما الزهرة و تزداد عزلته الاختيارية أو يضطر لنفي نفسه وراء الحدود ، لذلك فكل من يكتب عليه أن يعي ثمن الكلمة ، فإن كان قادرا على دفع فاتورتها و المشي فوق جمرها فمعدنه أصيل ، أما من يراها ترف فكري ، فهو بلا شك يهدر طاقته في الفراغ وليس عنده هدف يقاتل في سبيله أو يستشهد من أجله. تكتب في أكثر من قالب أدبي ولكن الوجه الأدبي الأبرز لأحمد المؤذن هو القصة. كيف تصنف نفسك بين القصة والرواية والكتابة الصحفية وغيره؟
مسألة التصنيف لا تشغل الكاتب الذي يمارس الارتحال كسائح يقطف من بساتين المعرفة كل جميل ، فالكتابة في حد ذاتها تتقلب في اتجاهاتها و هي التي تأتي بلبوس متنوع في كل مرة ، أحيانا الفكرة العالقة تولد في المخيلة على شكل قصيدة أو نص مفتوح و أحيانا قصة و حتى فكرة رواية. بالنتيجة .. الكتابة تأتي لوحدها بدون تحديد جينات مسبقة و لذلك فترك الشراع تعصف به الريح هو ما يصنع الفكرة النهائية و شكلها و مضمونها وهي تتخلق في مشيمة الوقت وهنا تماما متعة الكتابة و سحرها الأخاذ.
“وقت للخراب القادم” ذلك هو الاسم الذي اخترته لروايتك القادمة التي تعيد طباعتها عن طريق دار دوِّن للنشر والتوزيع. أولا أود سؤالك عن الطبعة الأولى وكيف كانت تجربتك خلالها ثم ماهية العنوان هل هو نوع من التشويق أم نظرة تشاؤمية أو كما يطلق عليه البعض الأدب السوداوي؟
رواية وقت للخراب القادم حاليا في طريقها لتتحول لطبعة ثالثة من دار الدراويش للنشر و الترجمة. لقد كانت تجربتي في نشر هذه الرواية بطبعتها السورية عام 2009 م كانت تجربة جميلة و بها العديد من المحطات ، لم أكن فيها بمستوى الخوف ولم أعتقد بأني سألاقي النجاح ، تعرضت للكثير من الانتقاد محليا ولكن لن أفقد ثقتي بنفسي و ظللت أقاتل. ما أثبتته الأعوام الماضية أن هذه الرواية صارت كالشجرة الثابتة الجذور وأصبحت مستقلة في حياتها عني و تصنع نجاحها بنفسها. العنوان ربما فيه لمحة تشاؤمية لكن أن أكتب الأدب السوداوي ، لا أميل لهذا التصنيف ، أترك العمل لتقييم القارئ و هو السيد الحكم و المتذوق في النهاية.
أسلفت بأن الرواية تعرضت للكثير من الانتقاد محلياً.لأي سبب تعزي ذلك؟ وفي أي قالب كان هذا الانتقاد هل كان في قالب أدبي نقدي أم بطابع اجتماعي وغير نخبوي؟
أحيانا يكون صوت النقد من بعض النقاد ( مستفزا ) يعمد إلى تقزيم التجربة بدون سند موضوعي ، هذا الأمر لا يشغل الكاتب الواثق من تجربته ولا يحرص على إرضاء النقاد الذين ينصب البعض منهم أوصياء على حركة الأدب. الرواية الجيدة تستطيع عبور مطبات النقد ولا خوف عليها و لكن ما يزعج الكاتب أو الروائي هو مقدار المنافسة السامة في الوسط الثقافي المحلي ، فنجاح أيما كاتب صاعد ينظر إليه البعض بأنه تهديد شخصي مباشر له !
على ذكر النقاد ما تقييمك لواقع الحركة النقدية في البلدان العربية؟ وهل هي مواكبة لغزارة الإنتاج وكثرة دور النشر؟
صعب طبعا الإحاطة بواقع الساحة النقدية في عموم الوطن العربي لكن بالمجمل ، النقد يتجه في جزء كبير من خطابه إلى بهرجة الأسماء التي تبرزها الجوائز العربية ذات المبالغ الطائلة مثل البوكر ، حيث يرى الناقد العربي بأن عليه استثمار أدواته النقديه مع الجهات الدسمة ذات المردود المعنوي وسواه ، وهنا يتحول الوضع إلى متاجرة تعسة لا علاقة لها برسالة الناقد الذي ينصرف عن الكاتب المغمور مهما كانت درجة إبداعه.
ما تقييمك لواقع النشر في البحرين على وجه الخصوص؟
واقع النشر في مملكة البحرين يتنوع بين الجهات الرسمية و الخاصة ، فالكاتب المحلي يتعب كثيرا و يسلخ من جلده كي ينشر كتابا ، الجهات الرسمية لا تزال غير قادرة على تقديم ملامح مشروع وطني وهي مستمرة في تقديم الدعم للكاتب المحلي و تعطيه التسهيلات لنشر نتاجه الفكري و الأدبي.
هل لك اهتمامات ومساعٍ حالية لترجمة أعمالك إلى لغات أخرى؟
خيار الكاتب في ترجمة أعماله محكوم بالقدرة المالية في نهاية المطاف و كثيرا من دور النشر تقدم خدماتها بهذا الخصوص ولكنها في الأغلب تطبع ترجمات ركيكة المضمون و ضعيفة التسويق و لا تصل للقارىء الأجنبي و بذلك تصبح الترجمة هنا وبالا على الكاتب و رهانا خاسرا. الترجمة ينبغي أن تكون ضمن إطار مؤسساتي رسمي يتحمل مسؤوليته الجهات الثقافية في بلداننا العربية كي ينجح كمجهود ثقافي قائم على أسس صحيحة تقدم الأدب العربي ضمن اللغات الحية .
هل أنت مشغول أيضا الآن بأعمال قادمة ومستمر في كتابتها وما أبرز ملامح هذه الأعمال إن أمكن؟
منشغل الآن بعمل روائي سيكون بمثابة إهداء لضحايا إرهاب داعش في سوريا و العراق و مصر و لبنان حيث أركز بؤرة السرد على الفاتورة مستحقة الدفع التي يتكبدها مستقبل و حاضر الأمة العربية عندما يستثمر ( البعض ) هذا الإرهاب لأغراض سياسية مدمرة و هناك عندي مشروع شبه جاهز عبارة عن كتاب يدرس و يحلل الحكاية الشعبية في البحرين بالشراكة مع زوجتي الكاتبة أمينة الفردان.
كلمة أخيرة في نهاية الحوار. ( كلمة أخيرة ) ….
لا أريد أن أختم هذه الكلمة بتوجيه النصيحة فأنا أولى بنصح نفسي ولكن … من المهم هنا لأي تجربة شابة أحبت عالم الكتابة أتوجه لها عبر منبر صحيفة .. ( فسانيا ) بأن تؤسس نفسها بهدوء و لا تستعجل حرق المراحل ، لابد أن يكون لها ملامح مشروع واضحة المعالم ، إصدار كتاب هو بداية دخول عالم كبير تلعب فيه أسماء كبيرة و صغيرة وما على الكاتب الشاب إلا معرفة موقعه ، حيث سيضطر إلى التخندق و القتال ثم الزحف والاحتماء ، كي تكون كاتبا عليك الكفاح و الصبر والإصرار على هدفك ، إعجابات ( الفيس بوك) لا تصنع كاتبا بل تجربة نيران الواقع والاكتواء بها ومواجهتها هي التي تصنع فرقا في التجربة مع مرور الزمن. كما أتوجه لك بالشكر الجزيل على متابعتك لمشواري و حوارك الجميل ولأسرة تحرير صحيفة فسانيا متمنيا لك ولها التوفيق و النجاح.