المشاركة السياسية للمرأة الليبية، حق يكفله القانون ويرفضه الواقع

المشاركة السياسية للمرأة الليبية، حق يكفله القانون ويرفضه الواقع

  • ونسة التمتام – أكتوبر 2020.

شاركت صحبة عدد من الزميلات الصحفيات في جلسة تشاورية مع الممثلة الخاصة بالإنابة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز في أكتوبر 2020، وكانت الجلسة بحضور نسوي من فئات ليبية متنوعة من إعلاميات وناشطات مجتمع مدني وحقوقيات، طالبنا خلالها بضمان تمثيل المرأة في حوارات فض النزاع وإحلال السلام، وتمكين النساء من المناصب القيادية العليا.

واستلمت البعثة في نهاية الاجتماع توصيات تضمنت وجوب تمثيل المرأة الليبية بكل المكونات الثقافية من أمازيغ وتبو وطوارق في الحياة السياسية دون إقصاء، وتمكينهن من المناصب القيادية العليا، وضمان تمثيلها في حوارات فض النزاع وإحلال السلام.

هذا الاجتماع كغيره جاء حصيلةً لمطالب النساء الليبيات بتمكينهن وإفساح المجال أمامهن للمشاركة في الحياة السياسية كفاعل أساسي وشريك، والتي تصاعدت منذ سقوط نظام القذافي، وبدأن عبر النشاط المدني في العمل لانتزاع حقوقهن في التمثيل السياسي. ابتسام عبد المولى رئيسة منظمة العشرة لتمكين المرأة قررت الترشح لانتخابات المجالس البلدية، لإيمانها بأن تولي النساء عمادة البلديات أمر مهم، على الرغم من أنها تدرك أن الفوز لن يكون بالأمر السهل، لكن الحرب حالت بينها وبين حلمها وتوقفت الانتخابات.

تقول أ. ابتسام في حديثها لفسانيا إن المرأة لا تختلف عن الرجل في أداء العمل ولا تنقصها الحنكة والبديهة والخبرة وأن لديها ما يؤهلها لأن تكون رئيسة دولة لا عميدة بلدية فقط، وعلقت ”على النساء أن يطالبن بحقوقهن في تقلد المناصب القيادية، نحن نريد نساء فاعلات يتركن أثراً“ .

فيما ألقت القانونية والنائبة الثانية لحزب تكنوقراط ليبيا الدكتورة كريمة المدني اللوم على بعثة الأمم المتحدة لتجاهلها دور المرأة وعدم الاهتمام بإشراكها في الحوارات السياسية وبحسرة قالت ”إننا نحارب على جبهات عدة، ولا وجود لمن يساندنا“.

 وأشارت إلى أن النساء يعتبرن من الفئات الأكثر تضرراً من الحروب والنزاعات المستمرة في ليبيا منذ 2011 ، بقولها ”استبعادنا من هذه الحوارات يطيل الأزمة ويؤخر حلها، كما أن الصراع المسلح لا يؤثر على النساء فقط، وإنما يعرقل قيام الدولة المدنية التي من شأنها ضمان حقوقنا“. وعن دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم المشاركة السياسية للنساء أخبرتنا أ. ابتسام أن منظمة العشرة تأسست لتهتم بتمكين المرأة وظيفياً والأخذ بيدها لمراكز صنع القرار، وتمكينها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، قائلة ”إننا نعمل في مسارين أحدهما يدعم النساء ممن لديهن خبرة ولم يتمكن من الوصول لمناصب سيادية ومراكز صنع القرار، ومسار آخر للفتيات الصغيرات في المرحلة الثانوية والجامعية وتأهيلهن بتنفيذ ورش عمل وتدريبات لتمكينهن من تقلد مناصب قيادية في المستقبل. وأضافت أ. ابتسام ”لدينا نساء يعملن في قضايا الحوار والمصالحة وبناء السلام سبق أن تلقين تدريباً حول نزع السلاح وبناء السلام“.

 في حين ترى د.المدني أن الوضع الحالي لمشاركة المرأة في الأجسام السياسية لا يعتبر مرضياً، فوضع المرأة في المناصب السيادية لم يتغير منذ خمسين عاماً بحسب رأيها، وأكملت بالقول ”لايزال وجودنا نوع من الديكور، أو لإظهار شكل أجمل لمؤسسات الدولة، إن وجود وزيرة من بين خمسة عشرة وزيراً لا وزن له“.

وعن أهم ما يميز عمل المنظمة قالت أ. ابتسام إنهن يعملن كقوة ضاغطة على الجهات التشريعية والتنفيذية في مراكز صنع القرار، ومن بين الحملات التي نفذتها المنظمة حملة ”وينك في المجلس“ للضغط على المجلس الرئاسي بطرابلس و”وينك في الحكومة” والتي تم توجيهها لحكومة طرابلس أيضاً، للمطالبة بتواجد النساء في تشكيلات الحكومة، وأخرى لإشراك النساء في مجالس إدارات شركات النفط، وشركتي الاتصالات والكهرباء.

وتختم أ. ابتسام حديثها بالتأكيد على ضرورة إشراك النساء في الحياة السياسية وترى أنهن لم يكنّ يوماً مصدر تحريض على الحروب أو تدخل فيها مقارنة بالرجال، وطالبت بأن تُعطى النساء حقوقهن بلا استثناء في لجان الحوار والمصالحة وبناء السلام على المستويين الداخلي والخارجي. د. المدني تعتقد بأن المشكلة تكمن في التطبيق والذي لن ينجح – حسب قولها- إلا بتوعية المرأة نفسها وتمكينها وتشجيعها على المشاركة في صنع القرار الذي يمسها قبل أي قطاع آخر في المجتمع، مشيرة لبعض المحاولات والمجهودات الفردية للعديد من النساء اللواتي يحاولن أن يقمن بدور رغم صعوبات الاغتيال والاختفاء القسري، والذي بدأ باغتيال عضوة المجلس الانتقالي سلوى بوقعيقيص في عام 2014 ببنغازي، وعضوة مجلس النواب فريحة البركاوي في العام 2014 في مدينة درنة، والناشطة السياسية انتصار الحصايري في العام 2015 بمدينة طرابلس، والصحفية نصيب كرنافة في العام 2014 في سبها.

آخر ضحايا العنف السياسي كانت النائبة “سهام سرقيوة” التي تبلغ من العمر 57 عاماً، إحدى نائبات البرلمان الليبي في مدينة طبرق والتي فازت عن دائرتها في انتخابات 2014، وتم اختطافها يوم 17 يوليو 2019 من منزلها ببنغازي، حادثة الاختطاف حصلت بعد ظهور إعلامي لها في إحدى القنوات الليبية لمناقشة مسألة سياسية، وحتى هذه اللحظة لم تسمع أية أخبار عنها ولا عن أي تحرك رسمي أو أمني لمعرفة مصيرها.

 وقد لاحظتُ أثناء كتابتي هذا المقال أن الناشطات السياسيات المقيمات خارج ليبيا يتحدثن بجرأة وحرية أكثر، حتى أن البعض منهن أسسن منظمات وجمعيات وحملات يطالبن من خلالها البعثة الأممية في ليبيا والمجتمع الدولي بتوفير حماية داخلية لهن وضمان مشاركتهن بفعالية في الاتفاقات السياسية، لتشجيع النساء في الداخل على طرح أفكارهن وتدريبهن على معرفة حقوقهن والمطالبة بها.

وقد أوصت الناشطات المشاركات في اللقاء التشاوري مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة “ستيفاني وليامز” في أكتوبر 2020 بضرورة توفير الحماية لهن، ومنح النساء الحق في المشاركة في الاتفاق السياسي القادم وإعطائهن مناصب قيادية للمشاركة في إحلال السلام وإنهاء الصراع.

بطرح تجربة أول عملية انتخابية في ليبيا في عام 2012 لانتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام تبين الأرقام أن نسبة مشاركة المرأة كناخبة مثلت 45% في المتوسط من إجمالي عدد المسجلين في ثلاثة عشرة دائرة انتخابية، ومثلت مشاركة المرأة كمرشحة في المؤتمر ما نسبته 19٪ من إجمالي عدد المرشحين في ثلاثة عشرة دائرة انتخابية.

فيما تشير الأرقام التي وثقتها المفوضية العليا للانتخابات أن مشاركة المرأة كناخبة قد تراجعت في انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور عام 2014 ، إذ بلغت نسبة المشاركة 41% من إجمالي الناخبين المسجلين في إحدى عشرة دائرة انتخابية، وتراجعت مشاركتها كمرشحة لتصل لنسبة 11% من متوسط إجمالي عدد المشاركين للترشح في إحدى عشرة دائرة انتخابية.

فيما سجلت مشاركة المرأة كناخبة في انتخابات مجلس النواب الليبي عام 2014 تراجعاً بنسبة 1% من أصل النسبة 41% السابقة، كما تراجعت مشاركتها كمترشحة لعضوية مجلس النواب لنسبة 9%. وتبقى مشاركة المرأة في المسار الديمقراطي وبناء السلام هاجساً يدور في خَلَد صاحبات الفكر والكفاءة، فمن يسمع صوتهن ويكتم أصوات الرصاص التي تتعالى هنا وهناك؟ من يضمن حقهن المكفول قانوناً والمرفوض واقعاً؟ ليضطلعن بدورهن الأساسي في تحقيق التنمية وبناء مجتمع خال من الحروب والنزاعات المسلحة.

 تم إنجاز هذه المادة ضمن مشروع “الأحداث كما ترويها الصحفيات” المدعوم من هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة والمنفذ من قبل أكاديمية شمال أفريقيا للإعلام.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :