المقايضة : نحو تكامل اقتصادي عربي، مابين الإمكان والواقع

المقايضة : نحو تكامل اقتصادي عربي، مابين الإمكان والواقع

د / سعد الاريل

الجنيه المصري مقابل الدينار الليبي، لماذا ؟ هل هذا التوجه اليوم ممكن في ظل التغير الحادث في فلسفة النقد المعاصر؟ هل هناك إمكان لتبادل النقد المحلى بين القطرين : المصري و الليبي ؟ وماهو الممكن لكلا القطرين من الحصول على مكاسب في هذا الاتجاه؟

كان في السابق حتى بين الجوار المحلى يقام التبادل بشكل عيني : اردب القمح مقابل اردب الأرز أو غير ذلك من السلع العينية في سوق التبادل أو ما يسمى بالمقايضة swap  النقدي. اليوم المقايضة يمكن أن تقام في السوق النقدي، في السوق الأوروبي، قبل قيام اليورو كانت المقايضة في السوق الأوروبي محدودة لبعض العملات ذات القبول من غيرها. نحن نعلم أن النقود في المفهوم الاقتصادي هي وسيلة للتبادل واليوم في السوق العربي تقوم النقود بدلا من السلع العينية. فهي وسيلة للتبادل العيني في أي سوق ممكن للتبادل، من الطبيعي أن السوق المصري في تطور مستمر فحجم التجارة يندفع يوما بعد يوم، أي أنه في تزايد مستمر في تسويق السلع والسياحة الترفيهية و العلاجية، و قد يصل حجم التجارة إلى أكثر من 4 مليار دولار في الأعوام المقبلة و باعتبار أن مصر أكبر اقتصاديات أفريقيا اليوم، و أن السوق الليبي هو الأوسع للمنتوجات المصرية فالليبيون يستوردون مواد البناء كالإسمنت و السيراميك و الصناعات الغذائية وأيضا في مجالات الاستثمار و تتطور الصناعات الميكانيكية وفي ميادين الإنشاءات و غيرها، فمصر اليوم قبلة للاستثمار السياحي و السياحة العلاجية و التعليمي . فللأسف أن التواصل التجاري بين البلدين لازال يصادف الكثير من العقبات منها ( الشريط الأحمر ) للدخول الجمركي .. فمدخل ( السلوم ) الجمركي هو اليوم يمثل عنق الزجاجة في الاتصال ما بين القطرين بسبب الشريط الأحمر و أيضا ( الروتين ) الذي لا لزوم له ما وراءه الخوف من التسرب من الإرهاب فالمواطن بين البلدين لا زال يعاني من الحواجز للدخول، فلا زال كل المواطنين المصري و الليبي يعانى مأساة الدخول و الخروج للقطرين بيسر و سهولة، ليبيا اليوم في حاجة إلى 3 ملايين عامل مصري للعمل داخل البلاد وهو لا يمكنه اجتياز الحدود إلا من خلال ( السلك ) ليتعرض إلى كثير من الابتزاز عند العبور أو الإقامة و لا زال الجانب الليبي يعتبر العامل أنه مهاجر غير قانونيي، و لازالت الكثير من العوائق المصادفة و خاصة في التأمين الصحي للعامل و أيضا في تقاضي الأجر. نحن في ليبيا بدون اليد العاملة المصرية لا يمكننا إنجاز أي شيء مزارعنا و مصانعنا حرمت من اليد العاملة الرخيصة بسبب الابتزاز المالي و التضخم في العملات الحاكمة الأجنبية ..و العمالة المصرية خالية من الأمراض الوبائية التي تحملها اليد العاملة الأفريقية الأخرى مثل السل و الوباء الكبدي وغيرها من الأمراض الخطيرة. و العامل المصري أصبح أكثر تكلفة من قبل بسبب حواجز نقل النقد ما بين البلدين و قد يلجأ العامل المصري إلى الابتزاز في نقل النقود من ليبيا إلى مصر كل ذلك يؤدي إلى زيادة التكلفة للمواطن الليبي في فرض أجر أكبر نظرا للمخاطر التي يصادفها العامل المصري نقل مقتنياته من نقود، ثم الحجز المتواصل على حرية المرور بين القطرين تزيد من عذابات القطرين، اليوم العامل المصري لا يحصل على تأشيرة دخول لليبيا إلا بصعوبة، في الواقع أن سياسات اليد العاملة لازالت متخلفة و أما وزارة العمل في مصر للأسف دون ما هو مخطط لها في ترقية اليد العاملة و انتشالها من العقبات المصادفة في حرية العمل، ثم تخلف الغرف التجارية في كلا البلدين تصوروا أن هذه المؤسسات التجارية يقودها رجال خارج الوظيفة التجارية لا خلفية اقتصادية لهم، و نعود لسؤالنا هل المقايضة بين العملتين المصرية و الليبية ممكنة بالتخلي عن التبادل النقدي الأجنبي الذى يكلف البلدين أموالا طائلة لا جدوى لها ؟ في الواقع إذا ما فتحنا مصارفنا في تغير العملة البينية ما بين البلدين فسوف يعود على القطرين بمكاسب كبرى للاقتصاد المصري و الليبي و توسيع رقعة التبادل التجاري بحجم أكبر، لا ضرورة لمواطني البلدين لحمل عملة صعبة، و لماذا نلجأ إلى شراء الدولار ونتحمل تكلفة الشراء ؟ و لماذا الليبي لا يحمل الجنيه الليبي مقابل الجنيه المصري ؟

من المعروف أن الطلب على السلع المصرية هو الأكبر ومن ثم فالمصارف المصرية سوف تمتلئ بالدينار الليبي فتكدس الدينار الليبي لدى مصر قد يولد نوعا من عدم انسياب العملة، اللهم إلا إذا ما كانت هناك اتفاقية بين البلدين في تسييل العملة بمقابل لكلا الجانبين : العملة المصرية مقابل الدينار الليبي و العكس صحيح، و يمكن لليبي شراء العملة المصرية من المصارف الليبية بالنقد الليبي و تفتح المصارف المصرية للدينار الليبي بسعر فائدة بنكية بسيطة ومحددة تعكس عمولة الخدمة  و أيضا معدل التضخم في كلا العملتين، فالتبادل النقدي هو الأساس في هذه العملية، وهو القاعدة في التبادل المحلى لكلا الدولتين، وهذا لا يتأتى إلا بتحرير سعر الدينار أولا، حتى نضمن التكافؤ في سعر التبادل بين الدولتين، وإذا توسعنا و قمنا بخلق دينار عربي موحد و صندوق نقدي عربي على غرار نظام ربط هذا الدينار أليس من الأفضل للعرب أن تكون العملة العربية رافدا أساسيا للاقتصاد العربي دون أن نكون عبيدا للدولار المتآكل يوما بعد يوم، و المهيمن على الأمر السياسي، و لدرء الحصارات الاقتصادية  التي مورست على العرب حتى اليوم حينما يكون التكتل المالي كبيرا تعجز الدول خاصة الكبرى في فرض حصارات على الشعب العربي، والمقايضة المالية هي خطوة أولى للوحدة المالية في العالم العربي، فتوحيد السياسة المالية وخاصة النقدية هي ذات أبعاد اقتصادية للنمو و التنمية في العالم العربي منها توحيد البورصات العربية الحافزة على الاستثمارات، أليس من الأجدى للعربي أن يحمل دينارا عربيا بدلا من  أن يحمل دولارا أو يورو و يتبضع بالسلع و الخدمات و ما الضير في ذلك؟

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :