- عمر رمضان
كلما كتبت شيئا تفوح منه روائح الهموم والنكد والضيق فإنني أتلقى عبر الخاص سيلا من الرسائل التي تختلف في مضامينها وتتفق في المحبة ــــــ فبعض المتواصلين يسأل عن حالتي “الصحية” فكثير منهم يعرفون أنني أعيش برئتين خاويتين معطوبتين وأعاني منهما ضيق التنفس الذي منعني الحركة والسفر وحتى الحديث بصوت مرتفع قليلا أو لفترة طويلة .. وأنا أطمئن الجميع ـــ باركهم الله ـــ أن حالتي مستقرة مع العلاج والاحتياط وعناية الله تعالى فوق كل عناية وأهم من كل احتياط ـــــــ وبعض المتواصلين يلومني على “النظارة السوداء” التي أرى من خلالها الحياة وينصحني بالتفاؤل والرضا بقدر الله وطمأنينة النفس والابتعاد عن النظرة السوداوية القاتمة التي تخنق الفكر في الإنسان وتعكر مزاج الكاتب ومزاج المتلقي والناس أمزجتها متعكرة بما فيه الكفاية و.. زيادة فهم ليسو في حاجة إلى من يزيد همومهم وتوترهم بما يصف لهم من بؤس وأنا يشهد الله لاأرتدي نظارة .. لاسوداء ولابيضاء ولا حتى ملونة .. ولا أحب النظارة رغم حاجتي إليها في القراءة ولكنني جربتها مرات قليلة فشعرت بالغربة عن الكتاب وأحسست أنني كم يصافح حبيبه من وراء القفاز فتركتها ولم أعد إليها بالرغم من نصائح أولادي لي باستعمالها وأنا يشهد الله لست متشائما ولامتعكر المزاج بل لعل الأمر أن يكون بالعكس فأنا كثير المشاغبات والمشاكسات والممازحات لأهل بيتي بلا اختلاف وأجد في ذلك متعة طيبة ونقلة جميلة لي ولهم وليس في حياتي شيء يدعوني إلى “نظرة سوداوية” .. فالحالة المادية مستورة ولله الحمد وعائلتي والفضل لله تعالى محيطة بي وأحفادي وكتبي تناغيني مناغاة إن غاب الشباب بزهوته كانت هي شبابا وزهوة وحالتي الصحية مستقرة مع الاحتياط والدواء وقد تعودتها والبقاء في البيت لايجعلني منزعجا فأنا أتجول بين كتبي وفيها كل الألوان وكل الأزمان وهي بساتين وأفانين وعناوين وتلاوين ودواوين .. وفيها الحكمة والابتسامة وكل الغوالي يتواصلون ويسألون باهتمام يدل على المحبة .. ويدل على سمو ورفعة الأخلاق وعلى تجذر المودة فينا جميعا فنحن جسد واحد يشعر كل منا بوجع أخيه ويهب لللسؤال والمعونة ولو بكلمة طيبة وماهي بالقليل ولكن هل نقول إن اهتمام المحبة في الناس لايقابله “اهتمام الرعاية” من الحكومة ؟ هل نقول هذا لنفتح بابا من اللوم بل ومن الحسرة علينا ومن يدري فلربما نغرق في العتاب وفي النكد حتى يظن أحبابنا وغوالينا أننا ننظر نظرة سوداوية وأننا نشكو شكوى خاصة وهي ــــ يعلم الله ـــ ليست نظرة شخصية ولاهي تعبير شخصي بل هي نظرة عامة وكلمات وتعبيرات عن “حالة عامة” يرزح تحتها وتحت طواحينها الفن والثقافة والرياضة وأهل الفن والثقافة والرياضة جبر الله خاطرهم المكسور بلاحكومة تسأل وتتفقد وتجبر الخواطر وتمكنهم من الوصول إلى الناس عبر النشر والطباعة والتنفيذ في الفضائيات والتنفيذ في قاعات التسجيل الموسيقي وإقامة معارض الفنون والمساعدة على قيام ” قطاع الإنتاج الخاص” حتى يقف على قدميه في رعاية الفن والثقافة واستثمارها والتعريف بها والتشجيع على قيام “المؤسسات الخاصة” التي ترعى وتستثمر في الرياضة عبر الألعاب المختلفةوالأندية المتعددة ومن هنا .. أعني من هذه النقطة يقرأ من يقرأ فيظن أني أعاني أو أعالج أو أشكو مشكلة خاصة تخصني وحدي وأعانيها وحدي .. كلا الأمر في عموم الثقافة وعموم الرياضة وكلاهما يئن ولا .. من ؟ سيقال لي إن ” الإهمال” والعازة حالة عامة يعانيها افلاح والبلاح والتاجر والموظف العام ويقاسي همومها المتقاعد .. وهذا صحيح بلا شك فالناس كل الناس (مضروبة بعصا واحدة ) وتحت ستار “تحسين حالة المعيشة للناس” يصل الواصلون إلى الكرسي الذي يتخشب كل من يجلس عليه ليصير خشبا على خشب حتى ولو كان من قبل أفضل الناس وتحت حجة الاهتمام بالحالة المعيشية وتحسين الأوضاع ترشح المترشحون وتغنوا في برامجهم بمآسينا .. ثم صاروا وقد نجحوا هم مآسينا وأنا أكتب هذا ليطمئن الغوالي الأفاضل أني لاأشكو حالة خاصة ولست متشائما ولانظرتي سوداء .. كلا رغم كل السواد حولنا جميعا ولكني أنثر هموما عامة يجد كل مواطن همها ونكدها ووجعها في حياته ويجدها المثقفون والفنانون أكثر لأنهم يمتازون بالفشل في “الحياة العملية” فهم لايحسنون غير الفن والثقافة التي تحتاج إلى من يرعاها ويرعى أهلها وذلك لايكون إلا بالتمهيد لقيام مرسسات خاصة ترعى الفنون والثقافة وترعى الرياضة ومؤسسات تجارية تشكل سوقا لبعض المصنوعات وسوقا صناعية تشكل سوقا ممتازة للزراعة ومنتجاتها إلخ مما ينغي أن تخطط له وتدرسه “مراكز البحث العلمي ” حتى لاينتج “المنتج” للسوس والأرضة والخراب والتخزين الفاسد أو البيع بــ الخسارة ينبغي أن تقوم مراكز البحث العلمي والجامعات بدراسة إقامة هيئات تقتبل الإنتاج وتستوعبه بل وتطلبه وتعمل على تطويره وتحسينه لتستفيد هذه المؤسسات والهيئات ويستفيد “المنتج” في كل مجالات الإنتاج المادي في الزراعة والصناعة إلخ والإنتاج المعنوي في الرياضة والفنون والثقافة فإذا قرأتم شكواي وضجيج خواطري وفيض همومي فهي تنصب على هذا ومنذ فترة وأنا أصرخ في أذن المراكز العلمية والجامعات لتقوم بدراسة الحالة وترسم كيف يستفيد بعضنا من بعض ولاعلاقة لنا بالحكومات ( الناس للناس من بدو وحاضرة / بعض لبعض وإن لم يشعروا .. خدم )