فريدة الحجاجي
كان ذلك في مثل هذه الايام ولكن منذ 53 سنة مضت .. عمري وقتها كان 13 سنة تقريباً وكنت أصغر مشارك في الوفد الليبي الذي تمّ اختياره للمشاركة في مهرجان شبيبة المغرب العربي في الجزائر ..كنا ستة فتيات و 160 شاب من مختلف أنحاء المملكة الليبية ، وبينما اقتصرت مشاركة الطالبات الستة على الانشطة الفنية ، شارك الطلبة ايضاً في المباريات والمسابقات الرياضية مع بقية الوفود المغاربية .
قبل السفر بمدة خصصت لنا وزارة التعليم مقر المعهد الزراعي في منطقة الغيران لنتدرب فيه على الفقرات الفنية التي سيتم تقديمها في المهرجان ، ووفرت لنا حافلة صغيرة تنقلنا من بيوتنا في الصبح وتعود بنا آخر النهار وحتى الوجبات كانت تُقدم لنا ساخنة .. يعني كل شي كان متوفر لراحتنا !
أتذكر اعضاء الفرقة الموسيقية الذين شاركوا معانا كانوا طلبة من مصراته بقيادة الموسيقار القدير الاستاذ عبد الله السباعي بالاضافة الى عازفين آخرين أتذكر منهم الطالب محمد قريميدة .. وأشرف ايضاً على التدريبات الاستاذ عامر الحجاجي وعازف العود الاستاذ عبد السلام خزام (رحمهما الله) .وعلى الرغم من صغر سنّي فقد شاركت بالعزف على آلة الاُكورديون وشاركت في الغناء وفي وصلة مالوف بعنوان (
نعس الحبيب) درّبنا عليها المرحوم الشيخ محمد اقنيص والذي – من خلال ادائه الرائع وقدرته الفائقة في ضبط الايقاع والوزن – جعلني أعشق المالوف .. وما زلت أُهيم في عشقه الى يومنا هذا ! المسئولون في ادارة النشاط المدرسي كانوا شديدي الاهتمام باعضاء الوفد وتابعونا خطوة بخطوة سوا في ليبيا او خلال الرحلة وكان على رأسهم الاستاذ محمد الباهي والاستاذ عبد السلام مختار سنان (واتمنى الا اكون قد اخطأت او نسيت بعض الاسماء فقد مرّ ما يزيد على نصف قرن من الزمان على تلك الفترة) !
من الاشياء الجميلة انه في هذه الرحلة شهدت بنفسي بداية المسيرة الفنية لبعض الطلبة المشاركين معنا والذين اصبحوا فيما بعد فنانين ليبيين كبار منهم الطالب عبد اللطيف عبية الذي اصبح فيما بعد الفنان لطفي العارف والطالب راسم فرنكة الذي اصبح الفنان راسم فخري ..في نهاية التدريبات وقبل سفرنا الى الجزائر تفاجئنا بزيارة وزير التعليم مصطفى بعيو ووزير الشباب والرياضة أحمد صويدق (الموجودين في الصورة) وكان حضورهما بادرة تشجيع ودعم للوفد الليبي الذي سيمثل بلاده امام بقية الدول المغاربية ..وصلنا للجزائر العاصمة ..
وفي اليوم التالي شاركنا في حفل افتتاح المهرجان الذي أُقيم في المدينة الرياضية وكنا نرتدي اللباس الرسمي للوفد الذي كان غاية في الاناقة ، وكان يتقدمنا شاب جزائري يحمل اسم البلد (ليبيا) وخلفه شاب ليبي يحمل العلم الليبي ثم في مقدمة الصفوف كنا نحن الفتيات الستة وخلفنا الـ 160 شاب وبقية اعضاء الوفد من مدربين ومشرفين ومسئولين بما فيهم الطاقم الطبي المصاحب للوفد ،،حضر الافتتاح الرئيس الراحل الهوراي بومدين ورجالات الحكومة الجزائرية والسلك الدبلوماسي وجمهور غفير من الجزائريين وطبعاً بقية الوفود المشاركة من تونس والجزائر والمغرب .
في اربعة مدن جزائرية بما فيها العاصمة قدّمنا فقرات من الفن الليبي بين موسيقى واغاني ومسرح ومونولوج ومالوف للجمهور الجزائري اللي استقبلنا بكل حفاوة وترحيب ..
وما زلت أتذكر كيف “هالني” وانى في تلك السن الصغيرة التصفيق الحار والمتواصل الذي اهتزت به القاعة في اختتام الحفل الذي قدمناه على مسرح العاصمة .. لدرجة شعرت معها بشي من الرهبة والتوتر !انتقلنا بعدها الى مدن اخرى منها وهران ومستغانم والاصنام (الشلف حالياً) لتمثيل ليبيا فنياً ، وفي نفس الوقت شارك الطلبة الرياضيون في المباريات والمسابقات اللي اقيمت في العاصمة وبعضهم حقق نجاحات وفازوا بميداليات مهمة ، وطوال الرحلة التي استمرت 17 يوماً وايضاً خلال فترة التدريب في ليبيا لم تتعرض اي واحدة مننا نحن الستة فتيات الى اي نوع من المضايقات او التحرش ولو بكلمة واحدة من اي طالب او من اي من المسؤولين وكان تصرف الجميع يتسم بالاحترام والتهذيب وسمو الاخلاق .
ادارة تعليم محافظة طرابلس بالوزارة كرّمتني بعدها بشهادة تقدير لازلت احتفظ بها في مكتبي الى الآن ، وكل مرة تقع عليها عيناي اتذكر تلك الايام اللي كانت من اجمل فترات حياتي في ليبيا التي عرفنا !فريـدة #الحياة_تبدأ_بعد_الستين..