حامد الشاوش
غدًا يا رفقاء الدهر سنقتاد آخر صديق في ليلة زفافه إلى عروسه، وسنأكل الكثير من اللحم فمن منكم يراهنني على أن في تلك الليلة عروسنا ستنام ليلتها تماما كما لو أن أختها تنام بجانبها… في الجهة المقابلة صديق آخر يوافقه القول وهو يلقي النظر إلى عريسنا بنصف عين ودموعه تندفع كما لو أنها شلالات نياغارا إثر تقشيره للبصل قائلا: فقط أنتهي من إعداد وجبة العشاء لكم، وسأخبركم بسر تعرفون من خلاله إن كانت عروسنا، أختها هي من نامت بجانبها أم أنه بطلنا الفولاذي الصلب. تعالت الضحكات وتوالت الغمزات، فربما كل منهم عرف قدر نفسه، هنا حملت إبريق الشاي وأخذت بعضي للركن الخارجي من الكوخ الذي لطالما اجتمعنا به دائما قاصدا نار الحطب لكي أضع الإبريق فوقها بعد أن أكملت تحضير الشاي.
جالست تلك النار وبقطعة خشب مستقيمة قمت بتحريك العيدان التي مازالت مشتعلة وعزلتها عن تلك التي باتت ملتهبة. تجنبت الحديث والمشاركة في تلك التفاهة ليس فقط لأنني لا أحب الحديث عنها ولا فيها، بل لأنها دعابة تثير الكثير من قلة احترام الخصوصية، كذلك عزلت نفسي لأجد سببا يقنعني بقول الصديق الأول “سنقتاد آخر صديق” وأنا هو الصديق الأخير الذي لم يتزوج بعد؛ أيعقل أنه يراني لست من ضمن أصدقائه بعد 9 سنوات؟ وهل هذا أيضا سبب في أنه لم يدعُني لحفل زفافه؟ ربما؛ فهُم أبناء منطقة واحدة وعاشوا طفولتهم مع بعضهم، وهل ذنبي في أنني مصادفة قد جمعتني بهم سنوات الدراسة وكان اللقاء بيننا هو نُزل الطلبة الخاص بتلك الجامعة. وسط استنتاجاتي قاطعني أحد الأصدقاء الذي أراه هو الأقرب من بينهم قائلا: –
على غير عادتك أنت تخلو بنفسك ولنا حديث وحدنا في وقت لاحق عن سبب خلوتك، أما الآن فلا أعكر صفوك وسأخلق لك عذرا وأقول بأنك تحتاج لورقة وقلمك كما عهدتك منذ أول سنة دراسية عرفتك، فأنتم الكُتاب دائما ما تخلقون أجواء خاصة بكم؛ لكن هل لديك فكرة عن ربطات العنق وكيفية ربطها؟ سرعان ما أجبته كما تعلم أنا لدي عقدة مع ربطات العنق، فلا تخبر الجميع بعقدتي يكفيهم معرفتهم بأن ليس لدي فكرة عن ربطة العنق بابتسامة منه كأنه يقول أعلم ما يدور في ذهنك غادرنا صديقي أنا وإبريق الشاي ياااا لهذه الرائحة التي تأسر الأنفاس والعقول، رائحة الشاي عندما يبدأ بالغليان، سكبت قليلا من الشاي في كوب لأتذوقه وأنا أردد: ورقة.. قلم.. ربطة عنق.. عقدة أاخخخ اللعنة؛ لهذه الأسباب أكره ربطات العنق والبدل الرسمية … يحتاج الشاي إلى الكثير من السكر صدقا أحمل كرها شديدا لربطات العنق وأتجنب دائما الحديث مع من يرتدونها بل ومقابلتهم.. ما زلت أتذكر جارتنا التي جاءها خبر وفاة ابنها ليلة زفافه إثر رصاصة طائشة من أحد حاملي البنادق وضاربي النجوم احتفالا بليلة الزفاف، أتذكرها جيدا وهي تندب وتردد: ” من منكم يكذب خبر وفاته ويأتيني به مجرورا من ربطة عنقه… سأبكيك يا ولدي أربعين عمرا على عمري لو كان بيدي، ويا من كنت سببا في موته لك الله الذي عنده تلتقي الخصوم” ما زلت أتذكر موظف المصرف بربطة عنقه الزرقاء في لونها بعدما تبين له في نهاية دوام عمله بأنني أملك ثلاثة أضعاف ما مكتوب في الصك وأنه كان مخطئا في رقم حسابي وعندما نعَتني بالمحتال في البداية وقام بإلغاء الصك ثم أقسم بأنني سحبت الألف دينار مسبقا ولم يعد في حسابي شيء. أتذكر ذلك اليوم جيدا بعدما قمت باستعارة البدلة الرسمية لشقيقي الأكبر التي تبدو وأنها تكبرني بعشر بوصات ونصف العُشر، يوم أن كانت لي مقابلة مع أحد الكُتاب ذوي الخبرة لغرض تقييمه لمخطوطتي التي باتت غير صالحة للنشر يوم أن استقبلني شاكرا إياه بابتسامة تثير الاشمئزاز وصافحني بقوله: “تبدو ذلك الأخرق الذي يحمل لقب البوهيمية.. أتعرف ما معنى البوهيمية؟