وجابت هون ذاكرتي

وجابت هون ذاكرتي

نيفين الهوني

مشهد 1

من رحم التاريخ خرجت تلك المدينة الشماء كشمس الصحراء المتوهجة فأرسلت إلى ليبيا خيوطا من النور وبعثت أوائل العلماء والفقهاء ورسمت واحة عمرها أمجادا وبطولات ونقشت على صخور الجبال أسفارا من المجد والعلياء نحتت بعلوم وثقافة أهل عظام عاهدوا فصدقوا فغدت المدينة بهمتهم على مر الزمان قلعة للحياة المدنية الجميلة وصخرة لا تزيحها الرياح العاتية تلك هي هون التاريخ والثقافة والعلم والتضحيات هون الشعر والصناعة والصحراء والواحة النخيل والزيتون والحدائق البساتين التي تحوطها كما قال الرحالة الإنجليزي جون ليون.

مشهد 2

كانت المرة الأولى التي أذهب لمهرجان هون عام 2003 أي قبل ثمانية عشرة سنة مضت وكانت تلك الدورة مميزة حيث حدثت توأمة بين مهرجان الخريف ومهرجان دوز السياحي أو المهرجان الدولي للصحراء بِدُوز والذي يقام كل سنة في ولاية قبلي جنوب الجمهورية التونسية بحضور وفد من دولة تونس الشقيقة – وهو من أعرق مهرجان تونسي حيث تأسس منذ 1910 وكان اسمه عيد الجمل لأنه كان يُعنى بسباق أجمل المهاري وأسرعها – بالإضافة إلى السياح الأجانب ومن قصدها من أهالي المدن المجاورة والمدن القصية في ليبيا وساكنيها الوافدين. كنت ضمن الوفد الذي جاء خصيصا من مدينة بنغازي وتحديدا من الهيئة العامة للصحافة بطلب منا ويضم الصحافية زينب شاهين والصحافية سعاد الطرابلسي والصحافية آمال الشراد بالإضافة إلى المصور الصحافي أحمد العريبي والمرحوم عمران الفيتوري أو كما كان يحب أن نناديه الشيخ كانت السيارة تطوي الأرض بين عجلاتها لنصل مسرعين يدفعنا الشوق للحدث والمدينة التي باتت تشكل عبر مهرجانها الأصيل مهرجان الخريف السياحي الدولي هدفا وقبلة لكل الرحالة والسياح لتقصي تاريخها وتاريخ القبائل التي سكنتها، وفك رموزها وطلاسمها وتعلم تعاويذ جمالها ، وللتعرف على شواهد التاريخ الذي صنعته يد الإنسان من تراث أصيل وفنون وتقاليد وعادات وصور تشكيلية وتجسيدية رائعة لحياته في شوارع وأزقة قديمة وحديثة تضم بين جوانبها حياة مدينة اشتهرت بمعمارها وتاريخها الموغل في القدم. مشهد 3

على مدى عشرة أيام هي عمر المهرجان وما بعده حيث سحرتنا المدينة التي تعودت ممارسة سحرها بجزيل عطائها وجميل أفعالها على زوارها فبقينا فيها نستكشف بين نقوشها الحجرية وطقوسها البشرية حياة أخرى بتفاصيل متنوعة ومختلفة في قلب المدينة النابض بالحياة والفرح بالضيوف والزوار ونحن .. أذكر أن المهرجان آنذاك كان أهليا يقدم ويجسد من خلاله للزائرين عبر برنامج ثقافي وأدبي وفني واجتماعي دسم ومليء بالفقرات تعريفا عن العادات اليومية والأعمال الحياتية للسكان وعاداتهم وتقاليدهم ومهنهم وأدواتهم ورقصاتهم وأغانيهم ومظاهر البهجة في تفاصيل معيشتهم ومراسم الاحتفال بمختلف المناسبات الدينية والموسمية كالربيع، وعاشوراء وشهر رمضان بالإضافة إلى طقوس العرس الهوني فتتوالى اللوحات التعبيرية التاريخية والتقليدية باللباس التراثي وتعزف الفرق الشعبية الموسيقا والأغاني والأهازيج والرقصات مثل النخيخة والخاصة بالأعراس مثل رقصة الحز .

مشهد 4 يزدحم رأسي بالذكريات حتى أنه لكأنني الآن بينكم فهنا ركن للتراث الشعبي أستنشق فيه كل أنواع البخور التي أحبها كل من تعطر بالصاعد من أبخرة في مواقد الخريف من بخور عادي: والذي لازلت أذكر مما يتكون كما أخبرتني المشرفة على الجناح التراثي الخاص بالعرس “عود قماري. عود مبروم. مستكة. قليل من الجاوي. رائحة الزيت. رائحة الزهر. وتخلط جميع المكونات ويستعمل في الأفراح وفى الحياة اليومية والخمرة: والتي تؤخذ من بعض أنواعه نبات الزهر مثل القرنفل والورد بالإضافة إلى الزعفران وعود مبروم وعود قماري وعنبر ومستكة تنقع هذه المكونات في الماء لمدة أسبوع تقريبا وتصفى وتستعمل في طيب المرأة والعروس وخلطة الشعر (الحنة) حيث تؤخذ الحناء والقرنفل والمستكة والورد وتعجن بالخمرة وتمشط به المرأة شعرها والبخور الأسود: الذي يتكون من جاوى ومسحوق عود قماري ومسحوق عود مبروم ومسحوق مستكة ورائحة البرازيت ويذاب الجميع على النار ويعجن ويعمل دوائر ويستعمل بالبخور وما يسمى المعبة وهي (حنة العروس) زيت زيتون. مسحوق الورد والقرنفل والزعفران والمستكة تؤخذ هذه المكونات وتخمر أربعين يوما ويدهن به شعر العروس البخور الأبيض: مسحوق عود مبروم. مسحوق عود قماري. مستكة وتعجن المكونات بماء الورد ويعمل دوائر ويستخدم في التبخير وهنا جناح للصناعات التقليدية والمنتوجات السعفية والمشغولات اليدوية والعرائس التي كانت لعبة الفتيات في زمن قديم تصنع من عظم الخرفان وتزين بالملابس الشعبية التقليدية وهذا جناح للتمور وأنواعه وللمأكولات الفتات والكعك الهوني اللذيذ وأطباق الربيع والعاشوراء وأول السنة الهجرية المليئة بما لذ وطاب وأجنحة المعارض للوحات التشكيلية والتجسيدية مثل قلية والشيشباني وطقوس عدة يشارك فيها الأطفال في تواصل بديع بين أجيال وأجيال. مشهد 5 قبل أن أقطع شريط الذكريات مجبرة حتى لا أقع في فخ الإطالة لا يمكنني أن أنسى عمي أحمد بركوس وسجلاته المليئة بأمجاد الأجداد وتاريخ المدينة وترابها ونخلاتها وعمي السنوسي حبيب الله يرحمه وبشاشة محياه وضحكاته وشرحه المستفيض والأستاذ الخلوق والخدوم والذي كان خير واجهة لأحب المدن محمد شربة ولأن الذاكرة خائنة بطبعها بالتأكيد سأسهو عن أشخاص رائعين قابلناهم فأحببناهم وهون التي حين تمر في خاطري ذكراها تزهر الأماني بالعودة من جديد وينبض الحب عبر الوتين فأمني الشوق القاحل باخضرار فيافي اللقاء قريبا.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :